للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أبو حنيفة وأبو يوسف اختارا جانب الإطلاق في حق الصلاة، وما لحقهما، وجاءت الحقيقة فيما سواه، فإن الشارع إنما أعطى له حكم الطهارة المطلقة في حق الصلاة بقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} (١) (٢)، حتى أجمع العلماء الثلاثة فيمن تيمم في حالة الإسلام ثم ارتد -والعياذ بالله-، ثم أسلم فهو على تيممه كما إذا توضأ ثم ارتد ثم أسلم؛ لأن التيمم في حق بقاء الطهارة (٣) مثل طهارة الوضوء غير مؤقت فعملا بإطلاقه في حق الصلاة لورود طهارته في حق الصلاة خصوصًا وبعدما تأيد ما قال بحديث عمرو بن العاص في حق الصلاة (٤) على ما ذكرنا، ولكن هو في الحقيقة تلويث وتلطيخ، وليس بطهارة فعملا بحقيقة فيما سوى الصلاة (٥) حتى لم تكن طهارة في حق انقطاع الرجعة ما لم يتأيد بمؤيد، وهو الصلاة به، وهذا لأن ما كان مشروعًا لمقصود، وله ضعف في نفسه فقبل انضمام المقصود إليه يبقى على ضعفه، فلا يزول به الملك كشهادة الشاهدين على الطلاق لما كانت المقصود، وهو قضاء القاضي بها فما لم ينضم إليها القضاء لا يكون مزيلة الملك (٦) كذا ذكر بعض هذا في «المبسوط» (٧).

[[صلاة القائم خلف القاعد]]

قوله: ويصلي القائم خلف القاعد إذا كان الإمام قاعدًا يركع ويسجد فاقتدى به من يصلي قائمًا بركوع وسجود جاز في قولهما استحسانًا، وفي القياس لا يجوز، وهو قول محمد (٨)؛ لقول النبي عليه السلام: «لا يؤمّن أحد بعدي جالسًا القائم» (٩)، ولم يرد به الجالس فإن اقتداء القاعد بالقاعد جائز بالإجماع، فعلمنا أن المراد به: لا يؤمن أحد بعدي جالسًا القائم ولم يرد به الجالس، ولأن هذا اقتداء/ غير المعذور بالمعذور فلا يحتج؛ لأن صلاة الفرض جالسًا لا يجوز إلا بعد الفجر، فلا يصح الإمامة للقائم قياسًا على الصحيح بالمريض الذي يومئ إماء.


(١) سورة المائدة الآية (٦).
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٦٧.
(٣) في (ب): الصلاة بدل من الطهارة.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) ساقط من (ب). (على ما ذكرنا، ولكن هو في حقيقة تلويث وتلطيخ، وليس بطهارة فعملا بحقيقة فيما سوى الصلاة).
(٦) في (ب): للملك
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ٦/ ٤٩.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي ١/ ٢١٣، البناية شرح الهداية ٢/ ٣٦٣.
(٩) رواه عبد الرزاق في مصنفه (٤٠٨٧ - ٢/ ٤٦٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤٨٥٤ - ٣/ ٨٠)، وابن حبان في صحيحه (٢١١٠ - ٥/ ٤٧٣) من حديث الشعبي مرسلًا.