للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنْ قلتَ: القدح الأخير إنّما يصير مُسْكِراً بما تَقَدَّمَه لا بانفراده بنفسه، فينبغي على هذا أن يكون كلّه ممّا [تَقَدَّم] (١) وتأَخَّر حراماً؛ لاستناد كلّ واحد منهما في التَّقَوِّي إلى الآخَر.

قلتُ: لما وجد السُّكْر بشرب القدح الأخير أضيف الحكم إليه؛ لكونه عِلةً معنًى وحُكمًا، وهذا لأنّ الْمُسْكِر ما يتّصل به السُّكْر بمنزلة [المتخِم] (٢) من الطّعام، فإنَّ تناوُل الطّعام بقدر ما يُغَذِّيه ويُقَوِّي بدَنَه حلالٌ، وما يُتْخِمُه وهو الأكل فوق الشِّبَع حرامٌ، ثم الْمُحَرَّم منه ما هو الْمُتْخِم وما زاد على الشِّبَع، وإن كان هذا لا يكون متخمًا إلا باعتبار ما تَقدَّمَه، فكذلك في الشَّراب، إلى هذا أشار في "المبسوط" (٣).

وسُئِل الشيخ أبو حفص الكبير/ عن هذا فقال: لا يَحِلّ شُرْبُه، فقيل له: خالفتَ أبا حنيفة وأبا يوسف -رحمهما الله-، فقال: {لا، قيل: كيف؟} (٤) فقال: [لأنّهما] (٥) إنّما يُحِلَّان للاستمراء، والنّاسُ في زمانِنا إنّما يستعملونَهُ للفُجُور والتَّلَهِّي، ولو شَرِبَه للَّهْو لا يَحِلّ بالإجماع (٦).

وذكر أبو يوسف/ في "أماليه": لو أراد [أن يشْرَبَه للسُّكْر] (٧) فقليلُه وكثيرُه حرام، وقُعودُه لذلك حرام، والمشيُ إليه حرام (٨).

وعلى هذا الاختلاف نبيذ التّمر والزّبيب إذا طبخ أدنى طبخة {ثم غلى واشتد وقذف بالزَّبَد، كذا ذكره الإمام المحبوبي/ (٩).

[المراد بالبُخْتُج، وحكمه]

(والذي يُصَبُّ عليه الماء بعدما ذهب ثُلُثاه بالطبخ حتى يرِقّ، ثم يُطبَخ طبخة:} (١٠) حُكمُه حكم المُثَلَّث) (١١) لم يذكر اسم هذا الشّراب مع أن له أسامي خمسة؛ البُخْتُج والجُمْهُوري والحميدي وأبو يوسفي ويعقوبي (١٢).


(١) في (أ): (يُقَدَّم).
(٢) في (أ): (الْمُنجم).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ٩)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٤٧)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٣٨٢).
(٤) سقطت من (ب).
(٥) في (ب): (إنهما).
(٦) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٢/ ٣٧٨)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢/ ٨٧)، رد المحتار على الدر المختار (٦/ ٤٥٦).
(٧) في (ب): (بشُرْبِه السُّكْر).
(٨) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ١١٦)، رد المحتار على الدر المختار (٦/ ٤٥٦)، رد المحتار على الدر المختار (٦/ ٤٥٦).
(٩) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (١٩/ ١٢٢)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٤٥ - ٤٦)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٥٧١).
(١٠) مابين المعقوفتين سقط من (أ).
(١١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٣٣ - ١٥٣٤).
(١٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (١٩/ ١٢٠)، فتاوى قاضيخان (٣/ ٨٨ - ٨٩)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٠٥).