للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[قسمة الغنيمة]]

قوله: (إنْ شاء قَسَمه) أي: قسم البَلْدة؛ على تأويل البَلد.

[وهذا الحُكْم في أراضيهم] (١)، وأمَّا الحُكْم في رِقابهم، فهو ما يجيء بعد هذا بقوله: (وهو في الأسارى بالخِيار، وإِنْ شاء أقرَّ أهلَه عليه، وَوَضع على أراضيهم الخراج).

وهذا عندنا، وأمَّا عند الشافعي -رحمه الله- فلا يُقِرُّ أهلَه عليه، ولا يضع على أراضيهم الخراج، بل يُقسم أراضيَهم بين الغانمين، ولا يتركها في أيديهم بالخراج (٢) على ما يجيء بعد.

(كذلك فعل عمر -رضي الله عنه- بسواد العراق (٣) (٤).

وبعض أصحاب الشافعي يُنكِر فتح السّواد (٥) [عَنوة. قلنا: افتتح عمر السّواد] (٦) عنوةً وقهرًا، وذلك مشهور في كتب المغازي، ثم منَّ عليهم برقابهم وأراضيهم، وجعل عليهم الجزية في رؤوسهم، والخراج في أراضيهم. وإنَّما فعل ذلك بعدما شاور الصحابة -رضي الله عنهم- على ما رُوِيَ أنَّه استشارهم مرارًا، ثم جمعهم فقال: "أما إنِّي تَلَوْتُ آيةً منكتاب الله تعالى استغنيت بها عنكم؛ ثُمّ تلى قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: ٧] إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] إلى قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: ٩]. هكذا في قراءة عمر -رضي الله عنه-، إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١] (٧). قال: ثُمَّ أَرَى لِمَن بعدكم في هذا الفيء نصيبًا، ولو قسمتُها بينكم لم يَكن لمن بعدكم نصيب"؛ فمنَّ بها عليهم، وجعل الجزية على رؤوسهم، والخراج على أراضيهمليكون ذلك لهم ولمن يأتي بعدهم من المسلمين؛ ولم يخالفْه على ذلك إلا نَفَر يسير، منهم بلال، ولم يحمدوا على خلافه، حتّى دعا عليهم على المنبر فقال: "اللهم اكفني بلالًا وأصحابه"، فما حال الحَول ومنهم عين تطرف (٨)؛ أي: ماتوا جميعًا (٩)؛ كذا في المبسوط (١٠).


(١) ما بين المعقوفتين مكرر في (ب).
(٢) ينظر الأم للشافعي (٤/ ٢٩٨)، نهاية المطلب في دراية المذهب (٣/ ٢٧٢).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب السير، باب ما قالوا في الخمس والخراج كيف يوضع، برقم (٣٢٧١٦) ٦/ ٤٣٦، أنّ عمر بن الخطاببعث عثمان بن حنيف على السواد فوضع على كل جريب عامر أو غامر يناله الماء درهمًا، وقفيزًا، يعني الحنطة والشّعير، وعلى جريب الكرم عشرة، وعلى جريب الرطاب خمسة. قال ابن الملقن: وهذا منقطع. ينظر البدر المنير (٩/ ١٥٠).
(٤) وسواد العراق: ما بين الكوفة والبصرة وما حولهما من القرى والرساتق، وسمي سوادا لخصبه، فالزرع من الخصوبة يكون أخضر داكنا يميل إلى السواد، ولكثرة ما فيه من القرى. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ٢٩٤)، معجم لغة الفقهاء (ص: ٢٥١).
(٥) قال الشافعي -رحمه الله-: لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنًا مقرونًا إلى علم، وذلك أنّي وجدتُ أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السّواد ليس فيه بيان، ووجدتُ أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها أنّهم يقولون: السّواد صلح، ويقولون السّواد عنوة، ويقولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة. الأم للشافعي (٤/ ٢٩٧).
(٦) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٧) أحكام القرآن للجصاص (٥/ ٣١٨).
(٨) عن جرير بن حازم، قال: سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول: أصاب النّاس فتح بالشام فيهم بلال، وأظنُّه ذكر معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فكتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنّ هذا الفيء الذي أصبنا لك خمسه ولنا ما بقي، ليس لأحد منه شيء كما صنع النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فكتب عمر -رضي الله عنه-: إنّه ليس على ما قلتم ولكنّي أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم يأبون ويأبى، فلمّا أبوا قام عمر -رضي الله عنه- فدعا عليهم فقال: اللّهم اكفني بلالًا وأصحاب بلال، قال: فما حال الحول عليهم حتّى ماتوا جميعا. أخرجه البيهقي في سننه، باب مَن رأى قسمة الأراضي المغنومة ومن لم يرها، برقم (١٨٣٩٢) ٩/ ٢٣٣. وقال: والحديث مرسل، والله أعلم.
(٩) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٦).
(١٠) هو مبسوط السرخسينحو: خمسة عشر مجلدا. وهو: لشمس الأئمة: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي. المتوفى: سنة ٤٨٣، أملاه: من خاطره، من غير مطالعة كتاب. ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٥٨٠)، وهو مطبوع.