للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[تعريف الفناء]]

(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ (١) إلى آخره، الفِنَاء: سعة أمام البيوت، وقيل: ما امتدَّ من جوانبها كذا في «المُغرب» (٢).

وذكر الإمام التمرتاشي الفِناء: ما أُعِدَّ لحوائج الدَّار، كربط الدَّابة، وكسر الحطب. (٣) (فَتَعَقَّلَ بِهِ (٤) أي: نَشب وتعلَّق بالبناء، ثم ههنا لم يذكر أن الأجير الذي يبني في فناء حانوت المستأجر هل يعلم أنَّ ذلك الفناء ملك المستأجر حتى تكون له ولاية الأمر بالحفر، أو لا يعلم، والذي ذكره في «الجامع الصّغير» للإمام المحبوبي يدل على أنَّ هذا الجواب الذي ذكره في الكتاب، فيما إذا كان الأجير لا يعلم أنَّ الفِناء للغير بل يعلم أنَّه للمستأجر فقال: وإن استأجر رجلاً ليحفر له بئراً في الفناء فحفر ومات فيه إنسان أو دابَّة والفناء لغيره فإن كان الأجير عالماً به فالضَّمان على الأجير وإن لم يعلم الأجير أن الفناء للغير فالضَّمان على المستأجر؛ لأنَّ الأجير لم يعلم بفساد الأمر.

وذكر فيه أيضاً: فإن استأجر أُجراء للحفر فحفروا له في الطَّريق، فإنَّ شيخ الإسلام ينظر: إن كان الطَّريق معروفاً أنَّه لعامة المسلمين فالضَّمان على الأجراء أعلمهم المستأجر بذلك أو لم يعلمهم؛ لأنَّ الطَّريق إذا كان مشهوراً يعرفه كل أحد فقد علموا فساد الأمر؛ لأنَّ الأمر بالحفر في ملك الغير فاسد، فصار وجود الأمر كعدمه، ولو حفروا بغير أمره كان الضَّمان عليهم كذا هذا، وإن كان الطَّريق لعامة المسلمين فالجواب لا يختلف، وإن لم يعلمهم فالضَّمان على عاقلة المستأجر دون الأجراء، فإنَّهم زعموا أنَّ الطَّريق لعامَّة المسلمين، فمسألة البئر كمسألة البناء؛ لأنَّ كلاً منهما تعدى في طريق العامة (٥).

وما ذكر في «المبسوط» يدل على أنَّ الأجراء إن لم يعلموا أنَّ الفناء ملك المستأجر لكن علموا أنَّ هذا الفناء فناؤه كان ذلك كافياً لإسقاط الضَّمان عن الأجراء، وذلك لأنَّه قال في «المبسوط»: فإن كان استأجر عليها أي: على حفر البئر في الفناء، فحفروها فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنَّها في غير فنائه؛ لأن عمرو بن الحارث كان من جملة الرؤساء ومعلوم أنَّه ما باشر الحفر بنفسه، وإنَّما استأجر الأجراء لذلك ثم ضمنه شريح وهذا؛ لأنَّ الأجراء يعلمون (٦) له وبهذا يستوجبون عليه الأجر وقد صاروا مغرورين من جهته حين لم يعلمهم أنَّ ذلك الموضع ليس من فنائه، وإنَّما حفروا اعتماداً على أمره، وعلى أنَّ ذلك من فنائه ولدفع ضرر الغرور ينقل فعلهم إلى الآمر فيصير كأنَّه حفر بنفسه وإن كانوا يعلمون أنَّها في غير فنائه فالضَّمان عليهم؛ لأنَّهم جناة في الحفر وأمره إيّاهم بالحفر غير معتبر شرعًا؛ لأنَّه غير مالك للحفر بنفسه في هذا الموضع.


(١) بداية المبتدي (٢٤٨).
(٢) (٢/ ١٥١).
(٣) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٣٥)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٣٥).
(٤) بداية المبتدي (٢٤٨).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (٤/ ٥٧٦، ٥٧٧)، الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٣، ١٩٤)، تبيين الحقائق (٦/ ١٤٥)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٤١)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٤٠٠).
(٦) كذا في (أ)، والصواب (يعملون) كما في المبسوط، وسياق الكلام يقتضيها.