للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَكَرَ فِي "الْإِيضَاحِ" (١): قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ -رحمهما الله-: إِذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ، فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا؛ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إِذَا أَصَابَ (٢)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ، كَمَا فِي الْأَوَانِي، إِذَا تَحَرَّى، فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ (٣) أَنَّهُ كَانَ مُصِيباً، وَهُمَا يَقُولَانِ: بِأَنَّ الْجِهَةَ؛ الَّتِي أَدَّى إِلَيْهَا اجْتِهَادُهُ، هِيَ الْقِبْلَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُسْعَ لَهُ، إِلَّا هَذَا، فَكَانَ التَّكْلِيفُ [بِهِ] (٤) لَا غَيْرَ، وَبِتَرْكِهِ صَارَ إِعْرَاضاً عَنِ الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْأَوَانِي، لِأَنَّ مَا (٥) اسْتُعْمِلَ لَمْ يَنْزِلْ مَنْزِلَةَ الطَّاهِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ، بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، إِذَا ظَهَرَ خَطَؤُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .. …

كِتَابُ الصَّلاة

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ التَّوَابِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ، وُجُوداً، لِكَوْنِهَا شُرُوطاً وأسْبَاباً، وَمُقَدِّمَة ٌعَلَيْهَا أَيْضاً؛ ذِكْراً لِيَكُونَ الذِّكْرُ، عَلَى وِفَاقِ الْوُجُودِ؛ شَرَعَ بِبَيَانِ الْمَتْبُوعِ وَكَيْفِيَّتِهِ؛ وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَصِفَاتُهَا فَقَالَ: (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الْجُزْءِ إِلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ؛ جُزْءُ الصَّلَاةِ، إِذْ هَذِهِ (٦) الْأَوْصَافِ، أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ، لِمَا أَنَّ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، تَتَمُّ الصَّلَاةُ، فَجَازَ أَنْ يُوصَفَ الْعَرْضُ؛ بِالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ، كَاللَّوْنِيَّةِ، وَالْعَرَضَيَّةِ، وَاسْتِحَالَةُ الْبَقَاءِ، فَيُقَالُ: السَّوَادُ عَرَضٌ، وَلَوْنٌ، وَمُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ (٧) وَإِنَّمَا لَا يُوصَفُ بِصِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَى الذَّاتِ، كَالْبَقَاءِ، وَالْحَيَاةِ، وَالْقُدْرَةِ مَعَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الْجَوَاهِرِ؛ فَلِذَلِكَ (٨) تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ، وَالْجَوَازِ وَالْبُطْلَانِ، وَالْفَسْخِ، وَالْإِقَالَةِ، وَالانْتِقَالِ، وَالْبَقَاءِ، وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ.


(١) انظر: "المبسوط للسرخسي" (١٠/ ١٩٣)، " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (٢/ ٢٧٧).
(٢) ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ١٢١).
(٣) (تبين): ساقطة من (ب).
(٤) زيادة من (ب)
(٥) في هامش المخطوط (أ): (ما لم يستعمل).
(٦) في (ب): (هي).
(٧) انظر: " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ١٥٤).
(٨) في (ب): (فكيف).