كتاب النهاية في شرح الهداية - السغناقي

باب صفة الصلاة - [التعوذ قبل القراءة في الصلاة] - ج: 2 - ص: 225

[التَّعَوَّذ قبل القراءة في الصَّلاة]

قوله -رحمه الله- (وَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ)

الْكَلَامُ فِي التَّعَوُّذِ فِي فُصُولٍ: أَحَدُهَا فِي أَصْلِهِ؛ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَوَّذُ فِي الصَّلَاةِ (١) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهم- وَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}» (٢) وَلَمْ يَقُلْ بِالتَّعَوُّذِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِقَطْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ قَدْ حَصَلَ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ بَيْنَ يَدَيِ رَبِّهِ؛ فَلَا يَكُونُ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَعُلَمَاؤُنَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (٣) وَلَمْ يَفْصِلْ.

وَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، كَبَّرَ، وَسَبَّحَ، وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

وَالْحَاجَةُ إِلَى قَطْعِ الْوَسْوَسَةِ (٤) فِي الصَّلَاةِ قَائِمَةٌ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهِ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الثَّنَاءِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَاب الظَّوَاهِرِ، مِنْهُمْ حَمْزَةُ الْمُقْرِئُ الزَّيَّاتُ (٥) (يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ (٦) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} ذُكِرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ؛ وانَّهُ لِلتَّعْقِيبِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْحَالِ؛ كَمَا يُقَالُ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى السُّلْطَانِ؛ فَتَأَهَّبَ أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ ها هُنَا؛ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَدْتَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ قَالَ عَطَاءٌ: الاسْتِعَاذَةُ تَجِبُ عِنْدَ كُلِّ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (٧) فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، فَقَدْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ (٨)، وَالثَّالِثُ فِي لَفْظِ التَّعَوُّذِ، فَاخْتِيَارُ أَبِي عَمْرُو (٩) وَعَاصِمٍ (١٠) وَابن كثير -رحمهم الله- أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَزَادَ حَفْصٌ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ (١١) وأعوذ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ (١٢) مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَاخْتِيَارُ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ (١٣) وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَّ الْأَثَرَ) (١٤).

---

(١) ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس " (١/ ١٦٢).
(٢) أخرجه أبو داود الطيالسي في"مسنده" (٣/ ٤٧٧)، حديث (٢٠٨٧)، وأخرجه أحمد في "مسنده" (٢١/ ٥٠)، حديث (١٣٣٣٧)، وأخرجه البخاري في" القراءة خلف الإمام" (ص ٣٣)، باب هل يقرأ بأكثر من فاتحة الكتاب خلف الإمام، حديث (٨٥)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الأوسط" (٢/ ١٦)، حديث (١٠٨٠)، وأخرجه الدارقطني في"سننه" (٢/ ٩٤)، كتاب الصلاة، باب ذكر اختلاف الرواية في الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، حديث (١٢٠٦) وقال الأرناؤوط: (إسناده صحيح علي شرط الشيخين).
(٣) سورة النحل: (٩٨).
(٤) في (ب): (وسوسة الشيطان).
(٥) حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، التيمي، الزيات: أحد القراء السبعة. ولد سنة ٨٠ للهجرة، كان من موالي التيم فنسب إليهم. وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان (في أواخر سواد العراق مما يلي بلاد الجبل) ويجلب الجبن و الجوز إلى الكوفة. ومات بحلوان. كان عالما بالقراءات، انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلا بأثر. توفي سنة ١٥٦ هـ. انظر: "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (٧/ ٣١٤)، "الكاشف" (١/ ٣٥١)، "تاريخ الإسلام للذهبي" (٤/ ٤١).
(٦) انظر: "غرائب التفسير وعجائب التأويل" (١/ ٦١٦).
(٧) (الْقُرْآنِ) ساقطة من (ب).
(٨) حكاه الكاساني في "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٢٠٢)، " المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٣٥٧) و في المذهب الشافعي: " المجموع شرح المهذب؛ للنووي" (٣/ ٣٢٥) و"مغني المحتاج" للشربيني (١/ ١٥٦) وفي المذهب الحنبلي: "المبدع" لابن مفلح (١/ ٣٨٠) و "شرح منتهى الإرادات " للبهوتي " (١/ ١٨٧).
(٩) هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني البصري. أحد القراء السبعة، كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر، وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب، -رضي الله عنه-، كانت ولادته سنة سبعين، وقيل ثمان وستين، وقيل خمس وستين للهجرة بمكة. وتوفي سنة أربع وخمسين. انظر: "وفيات الأعيان لابن خلكان " (٣/ ٤٦٦)، " تاريخ الإسلام للذهبي" (٤/ ٢٦٣).
(١٠) عاصم بن أبى النجود الأسدي وهو عاصم بن بهدلة كان اسم أبى النجود بهدلة كنيته أبو بكر مات سنة ثمان وعشرين ومائة وكان من القراء، انظر: " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان" (ص: ٢٦١).
(١١) هبيرة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هُبَيْرة أَبُو علي الشيباني، حَدَّث عَن: أبي ميسرة أَحْمَد بْن عَبْد الله الحراني رَوَى عَنْهُ: أَبُو حفص عُمر بْن مُحَمَّد ابْن الزيَّات، وأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حفص الكتاني، وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الْعَبَّاس النجار، وأبو القاسم ابْن الثلاج، توفي سنة ٢٤٠ هـ انظر " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي" (١٦/ ١٤٨).
(١٢) في (ب): (السميع العليم العظيم).
(١٣) ابن سيرين: هو أنس بن سيرين مولى أنس بن مالك، يكنى أبا حمزة، حدث عن: ابن عمر، وابن عباس، وخلق وعنه: ابن عون، وشعبه، وأبان العطار، وغيرهم. مات سنه (١٢٠ هـ) ويقال: سنة (١١٨ هـ). انظر: "الطبقات" لابن خياط (١/ ٢١٤)، "سير أعلام النبلاء للذهبي" (٤/ ٦٢٢ - ٦٢٣).
(١٤) ما بين القوسين من كلام السرخسي في مبسوطه، انظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٣).