للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: يحتمل أنَّ الفرق إنَّما نشأ من حيث أنَّ اللحم من ذوات الأمثال.

كذا اختاره صاحب المحيط (١) - رحمه الله - لما أنه من الموزونات.

والأصل في المكيلات والموزونات أن يكون من ذوات الأمثال، وفي ذوات الأمثال لا تتفاوت القيمة إذا كانت من جنس واحد، وصفة واحدة، وكلامنا فيه؛ لأن الكلام فيما إذا كان ذلك اللحم من لحم يباع عشرة أرطال منه [بدرهم] (٢) ولما كان كذلك كان للوكيل أن يجعل للموكل أيَّ عشرة شاء بخلاف الثوب، فإنَّه من ذوات القيم والثوبان، وإن كانا متساويين في القيمة؛ لكن ذلك إنما يعرف بالحزر، والظن، وذلك لا يعين حق الموكل فيثبت حقه مجهولاً، فلا ينفذ على الآمر لذلك» (٣).

«وإلى هذا أشار في التعليل في التتمة، فقال: لأني لا أدري أيهما أعطيه بحصته من العشرة، لأن القيمة لا تعرف إلا بالحزر، والظن» (٤).

إذا وكل الموكِّل الموكَل بشراء شيء فليس له أن يشتريه بنفسه

«ولو وكله بشراء شيءٍ بعينه؛ فليس له أن يشتريه لنفسه» سواء نوى عند العقد الشراء لنفسه، أو صرح بالشراء لنفسه بأن قال: اشهدوا أني قد اشتريت لنفسي؛ إلا إذا خالف في الثمن لا إلى خير، أو خالف إلى جنس آخر غير الذي سماه الموكل هذا إذا كان الموكل غائباً؛ فإن كان حاضراً، أو صرح الوكيل بالشراء لنفسه يصير مشترياً لنفسه. كذا في التتمة» (٥).

ووضع المسألة في العبد في الذخيرة، ثم قال: وإنما كان كذلك؛ لأنَّ العبد إذا كان بعينه فشراؤه داخل تحت الوكالة من كل وجه؛ فمتى أتى به على موافقة الآمر وقع الشراء لموكله نوى أو لم ينو (٦).

وهذا بخلاف ما لو كان الموكل حاضراً؛ فأشهد أنه اشترى لنفسه؛ فإنه يكون مشترياً لنفسه؛ لأنه عزل نفسه بمقتضى الإقدام على الشراء لنفسه؛ وله عزل نفسه حال حضرة الموكل ولا كذلك حال غيبة الموكل، ولو اشتراه الوكيل بأكثر من الثمن الأول أو بجنس آخر؛ فإنَّه يصير مشترياً لنفسه،؛ لأنَّ هذا الشراء غير داخل تحت الوكالة، وما لم يدخل تحت الوكالة فالحال فيه بعد الوكالة كالحال قبلها [فأمَّا] (٧) الشراء بمثل الثمن المأمور به داخل تحت الوكالة، وما يفعله الوكيل على/ موافقة الآمر، فإنه يقع لموكله نوى أو لم ينو حتى يفيد التَّوكيل فائدته (٨).


(١) صاحب: «المحيط البرهاني»، هو محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري، المرغيناني، برهان الدين: من أكابر فقهاء الحنفية، عدّه ابن كَمَال باشا من المجتهدين في المسائل، وهو من بيت علم عظيم في بلاده، ولد بمرغينان من بلاد ما وراء النهر، وتوفي ببخارى، من كتبه «ذخيرة الفتاوى»، و «المحيط البرهاني»، و «تتمة الفتاوي»، و «الواقعات»، و «الطريقة البرهانية»، توفي سنة ٦١٦ هـ.
ينظر: الفوائد البهية (٢٠٥)، الأعلام (٧/ ١٦١).
(٢) في «ج»: [قدر درهم].
(٣) ينظر: فتح القدير (٨/ ٤٣)، وينظر: العناية شرح الهداية (٨/ ٤٣).
(٤) ينظر: فتح القدير (٨/ ٤٣).
(٥) ينظر: فتح القدير (٨/ ٤٤).
(٦) ينظر: فتح القدير (٨/ ٤٤ - ٤٥).
(٧) في «ج»: [وأما].
(٨) ينظر: الجوهرة النيرة (١/ ٣٠٨).