للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثُمَّ كلَّ أربعةِ مثاقيل قيراطان) (١)، القيراطُ جزءٌ من عشرينَ جزءً من مِثْقَال، وهو موافقٌ لما ذُكرِ في الكتاب (٢).

[[مسألة الكسور]]

وفي "الصِّحَاح" (٣): القيراطُ نصفُ دانقٍ والدانقُ سُدَسُ الدرهمِ، والدرهمُ فارسيٌ مُعّرب، وأصل القِيراطِ قراطٌ بالتشديد؛ لأنّ جمعَهُ قراريطُ، فأُبدِلَ من أَحَدِ حرفي تضعيفه على ما ذكرنا في دينار، (وهي مسألةُ الكسور) (٤)، أيْ: مسألةُ الكسور التي بينّاها في فصلِ الْفِضَّة، يعني: إذا زادتْ الدَّراهمُ على المائتين، هل يُشترطُ نصابُ الأربعين أمْ لا في وجوب الزكاة؟ وقد بُيَّنَ الاختلافُ والحُجَج من الجانبين، ولِكُلِّ مَنِ استقام حجةُ استدلالاته هناك يستقيمُ هاهنا، خلا أنّهُ فاقتْ أربع مثاقيل هنا مقامَ أربعين درهمًا هناك، (وفي تِبْرِ الذَّهَبِ والفضة) (٥) التِّبرُ ما كان غيَر مضَروبٍ منِ الذَّهَبِ والْفِضَّة والحُليِّ، على فعول جمع حُليّ كثيرة في جمع ثُدِيّ، وهي ما تتحلى به المرأةُ منِ ذَهَبٍ أو فضة وأونيهما بسكون الياء بالتخفيف، جَمَعُ الجمع للكثرة ِللإناء، وهو وعِاءُ الماءِ، وجمعُ القِلَّةِ: آنيةُ كِسَوارٍ وأَسْوِرَةٍ وأَسَاْوِرَ، كذا في "المُغْرِب" (٦).

[[زكاة حلي النساء]]

(وقال الشَّافِعِي -رحمه الله-: لا يجبُ في حُليِّ النساءِ، وخاتمِ الْفِضَّة للرجال) (٧) (٨)، وإنما خصّها ليمتاز به كُلُّ ما يبُاحُ الاستعمالُ مِن الذَّهَبِ والْفِضَّة] بما لا يُباح الاستعمال.

وذكر في "الخُلَاصَةِ الغزاليَّة" (٩): أمَّا الحُلي والمبُاح مِنَ الذَّهَبِ والفِضَةِ (١٠) فلا زكاةَ فيها على أصحِّ القولينِ؛ لأنهُ رخّصَ استعمالهَا كسائرِ السِّلع وإنْ كانتْ محظورةً أو آنيةً، فالزَّكَاةُ واجبةٌ (١١) والحَجةُ له أيضًا في الفرقِ بينهما ما ذُكِرَ في "المَبْسُوط" (١٢) وهو: أن الحظرَّ شرعاً يسقطُ اعتباراً للصّنعةِ والابتذالُ حكمًا، فيكون مالُ الزَّكَاةِ بخلاف ما إذا كانتْ مباحةً شرعاً وهو نظيرُ ذَهابِ العقلِ بسبب السُّكْرِ، يسقطُ اعتبارُه شرعاً بخلافِ ذهابِ العقلِ بسبب الدواءِ، لا يسقطُ اعتبارُه شرعاً، ولنا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص (١٣) -رضي الله عنهما- أنَّ رسولَ الله -عليه الصلاة والسلام- رأى امرأتين تطوفان بالبيتِ وعليهما سِواران من ذَهَبِ، فقال: «أتؤديانِ زكاتهما) فقالتا: لا، فقال: أتحبان أنْ يسُورَكما اللهُ بِسِوَارَيْنِ منِ نارِ فقالتا: لا، فقال: أدِّيا زكاتهَما» (١٤) (١٥).


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٤).
(٢) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٦)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢١٥).
(٣) يُنْظَر: (٣/ ١١٥).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٣).
(٥) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٤).
(٦) يُنْظَر: (١/ ٤٧).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٣).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢١٥).
(٩) الخُلَاصَة الغزاليَّة، وتسمى خُلاصة المختصر ونقاوة المُعتصر لحجة الاسلام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (٥٠٥ هـ) الْكِتَاب مطبوع بمجلد واحد طبعته دار المنهاج بتحقيق أمجد رشيد مُحَمَّد علي.
(١٠) سقطت في (ب).
(١١) يُنْظَر: (١/ ١٩٧).
(١٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٥٤).
(١٣) عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي كنيته أبو مُحَمَّد قيل إن اسمه العاص وغيّره النبي -عليه الصلاة والسلام- توفي سنة ٦٥ هـ. يُنْظَر: أسد الغابة (١/ ٦٥٧)، الأَعْلَام للزركلي (٤/ ١١١).
(١٤) رَوَاهُ الترمذي في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، (٦٣٧)، وأحمد في مسنده (٦٩٠١ - ٢/ ٢٠٤). قال الألباني في مشكاة المصابيح (١/ ٤٠٧): حديث حسن.
(١٥) اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل استعمالًا محرم، كأن يتخذ الرجل حلي الذهب للاستعمال؛ لأنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وهو صياغته صياغة محرمة، وبقي على حكم الأصل من وجوب الزكاة فيه. كما اتفقوا على وجوبها في الحلي المكنوز المقتنى الذي لم يقصد به مقتنيه استعمالا محرما ولا مكروها ولا مباحًا؛ لأنه مرصود للنماء فصار كغير المصوغ، ولا يخرج عن التنمية إِلاَّ بالصياغة المباحة ونية اللبس.
واختلفوا في الحلي المستعمل استعمالاً مباحا كحلي الذهب للمرأة وخاتم الفضة للرجل.
فذهب المالكية والحنابلة والشَّافِعِي في القديم وأحد القولين في الجديد وهو المفتى به في المذهب إلى عدم وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل، وروي هذا القول عن ابن عمر وجابر وعائشة وابن عباس وأنس بن مالك وأسماء -رضي الله عنهم- والقاسم والشعبي وقتادة ومُحَمَّد بن علي وعمرة وأبي عبيد وإسحاق وأبي ثور، كما استدلوا بقياس الحلي المباح على ثياب البدن والأثاث وعوامل البقر في أنها مرصدة في استعمال مباح فسقط وجوب الزكاة فيها.
وذهب الحنفية والشَّافِعِي في القول الآخر في الجديد إلى وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن جبير وعطاء، وطاوس، وابن مهران ومجاهد، وجابر بن زيد، وعمر بن عبدالعزيز، والزهري، وابن حبيب. والحلي مال نام ودليل النماء الإعداد للتجارة خلقة. يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٧)، و (الْبَحْرِ الرَّائِق: ١/ ٢٤٣)، المغني (٣/ ١٣).