للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في الاختلاف]

لما ذكر مسائل الاتفاق بين الشفيع والمشتري في الثمن، وهو الأصل- شَرع في بيان مسائل الاختلاف بينهما فيه، فالمشتري لا يَدَّعي عليه شيئًا؛ لأنه لم يجب له على الشفيع شيء حتى يحلف الشفيع ليخيره، أي: ليخير الشفيع ولا نص هاهنا، إنما النص في حق البائع والمشتري مع وجود معنى الإنكار من الطرفين هناك، فوجب اليمين (١) لذلك في الطرفين، ولم يوجد الإنكار هاهنا (٢) في طرف الشفيع فلم يكن في معنى [ما] (٣) ورد فيه النص، فلذلك لم يجب التحالف هنا، وإن كان الشفيع والمشتري بمنزلة البائع والمشتري، ولكن لمعنى (٤) فارق بينهما لم يكن ورود النص بالتحالف هنا بمنزلة الورود هنا، فصار كبينة البائع، [أي: مع المشتري، يعني: لو اختلف البائع والمشتري في مقدار الثمن، وأقاما البينة، كانت بينة البائع] (٥) أولى بالقبول لما فيها من إثبات الزيادة والوكيل، أي: وكبينة الوكيل مع بينة الموكل بالشرى مع الموكل إذا اختلفا في مقدار الثمن، وأقاما البينة كانت البينة بينة الوكيل، لا (٦) تثبت الزيادة والمشتري من العدو، أي: وكبينة المشتري من العدو مع بينة المولى القديم، فإن المشتري من العدو مع المولى القديم إذا اختلفا في ثمن العبد المأسور و [أقاما البينة] (٧) كانت البينة بينة المشتري من العدو، ولما فيها من إثبات الزيادة.

ولهما (٨): أنه لا تنافي بين السببين في حق الشفيع.

ألا ترى أنه لو اشترى مرتين مرة بألف، ومرة بألفين كان للشفيع أن يأخذ بأيهما شاء؛ فعرفنا أنه لا تنافي بينهما في حقه، والاشتغال بالترجيح عند تعذر العمل بهما، فأما مع إمكان العمل بالبينتين فلا معنى للمصير إلى الترجيح؛ فيجعل في حق الشفيع [إلى] (٩) كأن الشرائين جميعًا ثابتان، فله أن يأخذ بأيهما شاء، وهو نظير المولى مع العبد إذا اختلفا فقال المولى: قلت لك: إذا أديت إليَّ ألفين فأنت حرٌّ. وقال العبد: قلت لي: إذا أدَّيت إليَّ ألفًا فأنت حر. فأقاما البينة، فإن بينة العبد تقبل بهذا الطريق، وهو أنه لا منافاة بينهما، فيجعل كأن الكلامين صَدَرَا من المولى، ويُعتق العبد بأداء أيِّ المَالين شيئًا بخلاف البائع مع المشتري إذا اختلفا؛ لأن هناك العمل بالبينتين غير ممكن، فالعقد الثاني في حقهما ناسخ للأول، فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة كيف وأيتهما (١٠) ممنوعة على ما روي عن محمد، فإن ابن سماعة (١١) روى عن محمد (١٢) أنَّ البينة بينة الموكل؛ لأن الوكيل صدر منه إقراران؛ أي: بحسب ما تُوجبه البينتان، فكان للموكل أن يأخذ بأيهما شاء، فأما في ظاهر الرواية (١٣)، فقلنا: الوكيل مع الموكل كالبائع/ مع الموكل، كالبائع مع المشتري، ولهذا يجري التخالف بينهما عند الاختلاف في الثمن، وقد بيَّنا القدر منه.


(١) في (ع): «الثمن».
(٢) في (ع): «هنا».
(٣) زيادة من: (ع).
(٤) في (ع): «بمعنى».
(٥) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٦) في (ع): «لأنها».
(٧) ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(٨) أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة.
(٩) ساقطة من: (ع).
(١٠) في (ع): «وإنها».
(١١) هو محمد بن سماعة بن عبيد بن هلال بن وكيع بن بشر التميمي، أبوعبد الله، كتب النوادر عن أبي يوسف، ومحمد، وروى الكتب والأمالي، وولي القضاء للمأمون ببغداد سنة ١٩٢ هـ، توفي سنة ٢٣٣ هـ. ينظر: تاج التراجم: ص ٢٤٠، ٢٤١، الجواهر المضية: ٢/ ٥٨.
(١٢) ينظر: المبسوط: ١٤/ ١٠٠، العناية: ٩/ ٣٩٢، البحر الرائق: ٨/ ١٥١.
(١٣) ظاهر الرّواية: هى مسائل رويت عن أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمّد، رحمهم اللّه تعالى، لكن الغالب الشائع فى ظاهر الرّواية، أن يكون قول الثلاثة، أو قول بعضهم، ثمَّ هذه المسائل التى تسمَّى بظاهر الرِّواية والأصول، هى ما وجد فى كتب محمَّد التى هي: «المبسوط»، و «الزيادات»، و «الجامع الصَّغير»، و «الجامع الكبير»، و «السّير»، وإنما سمِّيت بظاهرة الرِّواية، لأنها رويت عن محمَّد بروايات الثَّقات، فهى ثابتة عنه؛ إمَّا متواترة، أو مشهورة. ينظر: الطبقات السنية: ١/ ٣٤.