للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتْ: ذِكْرُ إحدى الروايتين في الْكِتَابِ مخُالِفٌ لإطلاقِ ما ذكرهُ شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِيُّ -رحمه الله- في «المَبْسُوط» (١): كما ترى حيثُ ذَكَرَ مُطلقًا أنَّ الإفطارَ بغير عُذْرٍ لا يبُاحُ عندَنا، ولكنْ مُوافِقٌ لَمِا ذُكِرَ في الذخيرِة، ومَبْسُوط شَيْخُ الإسْلَامِ (٢)، فإنهُ ذَكَرَ في الذخيرِة: وأمّا الإفطارُ بغيرِ عُذْرِ بِشَرْطِ القضاءِ ذَكَر في المنتقى عن أبي يوسفَ أنهُ يحَلُّ،] وهكذا رَوى الحسنُ بنُ زياد عن أبي حنيفةُ -رحمه الله- (٣)، وذكرَ الفقيهُ أبو بكر الرازيُّ (٤) عن أصحابنا أنهُ لا يَحِلُّ (٥) والمتأخرونَ اختلفوا فيهِ، وهذا كُلُّهُ في التطوِّعِ (٦)، فأمًّا في الفرضِ، والواجبِ لا يَحِلُّ الإفطارُ إِلاَّ بُعِذْرٍ (٧)، والضيافةُ ليستْ بُعِذْرِ فيهِ، والسفرُ ليسَ بعذْرِ في اليومِ الذي أنشأ السفَر فيهِ عُذْرٌ فيما عداهُ مِنَ الأيامِ (٨).

[[هل يفطر إذا دعي للوليمة]]

قولُه: (والضيافةُ عُذْرٌ) (٩)، أيْ: في التطِّوعِ، ومِنَ المشايخِ مَنَ قالَ: إنْ كانِ صاحِبُ الدَّعوى يرضى ِبُمجَردِ حُضُورِهِ، ولا يتأذّى بتْركِ الإفطارِ لا يُفْطِرُ (١٠)، وإنْ كان يتأذّى يُفْطِرُ ويقضِي (١١)، وقالَ شمسُ الأئمةِ الحلواني -رحمه الله- (١٢): إنْ كانَ يِثقَ مِنْ نفسهِ القضاءَ يُفطِرُ دفعًا للأذى عنْ أخيهِ المسلمِ، وإنْ كانْ لا يثقُ مِنْ نفسهِ القضاءَ لا يُفطِرُ، وقد اختلفَ مشايخُ بلخٍ فيِمَنَ حَلَفَ على صائِم بِطلاقِ امرأتِهِ أنْ يفُطِرَ، كذا في «الذخيرة» (١٣).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢٥).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٢/ ٢٠٣).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١١٠)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨٤).
(٤) هو: أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص من أهل الري، من فقهاء الحنفية، سكن بغداد ودرس بها تفقه الجصاص على أبي سهل الزجاج، وعلى أبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون. انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إمامًا، رحل إليه الطلبة من الأفاق. خوطب في أن يلي القضاء فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يقبل. من تصانيفه: (أحكام القرآن)، و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)، و (شرح الجامع الصغير).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (١٥/ ٢٤٥)، الجواهر المضية (١/ ٨٤)، الأَعْلَام للزركلي (١/ ١٧١).
(٥) سقطت في (ب).
(٦) يُنْظَر: الْمَجْمُوع (٦/ ٣٩٤)، أسنى المطالب (١/ ٤٣٠).
(٧) تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٥١)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٦١).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٣/ ٣٣٤).
(٩) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٧).
(١٠) يُنْظَر الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٩).
(١١) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٦٢).
(١٢) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٩).
(١٣) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٥١).