للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذلك يجوز استحقاقها بالوصية عند التنصيص على التأبيد لأن الوصية أوسع العقود جوازًا بخلاف ما في البطن فإن ما يحدث لا يجوز استحقاقه بشيء من العقود والوصية نوع من العقود، أو نقول أن القياس في مسألة الصوف واللبن والولد أن يستحق الموجود والحادث عند التنصيص على التأبيد لأن المحل الذي يحدث منه هذه الزوائد يجعل مبقى على ملك الميت حكمًا لاستعماله بوصيته، والوصية فيما يحدث منها يصير كالمضاف إلى حالة الحدوث فصح ذلك كما في الثمار؛ ولكنه استحسن فقال: ما في بطون الحيوان ليس في وسع البشر إيجاد ماليس بموجود منه فلا يصح إيجابه للغير بشيء من العقود بخلاف الثمار؛ فإن لصنع العباد تأثيرًا في إيجاده ولهذا جاز عقد المعاملة وهي شركة في الخارج فيصح إيجاب الوصية فيما يحدث منه عند التنصيص على التأبيد؛ والدليل على الفرق أنه لو أوصى بيد عبده لإنسان أو رِجْل شَاتِهِ لم تصح الوصية.

ولو أوصى له بقوائم الخلاف أو سعف النخل صحت الوصية، وكان الفرق هذا هو أن سعف النخل وإن كان وصفًا للنخل فإنه يحتمل التمليك ببعض العقود بخلاف أطراف الحيوان، فإذا ظهر هذا الفرق فيما هو موجود منهما فكذلك فيما يحدث كذا في المبسوط (١).

أما الولد المعدوم وأختاه وهما الصوف واللَّبَنُ؛ كذا في المبسوط (٢).

والله أعلم.

* * *

بابُ وصيَّة الذمِّي (٣)


(١) ينظر: المبسوط (٢٨/ ٣).
(٢) ينظر: المبسوط (٢٨/ ٣)، البناية (١٣/ ٤٩٣).
(٣) يتفق الحنفية والحنابلة وأكثر الشافعية على صحة الوصية إذا صدرت من مسلم لذمي، أو من ذمي لمسلم، واحتج لذلك بقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، ولأن الكفر لا ينافي أهلية التملك، فكما يصح بيع الكافر وهبته فكذلك الوصية.
-ورأى بعض الشافعية أنها إنما تصح للذمي إذا كان معينا، كما لو قال: أوصيت لفلان. أما لو قال: أوصيت لليهود أو للنصارى أو حتى لو قال: أوصيت لفلان الكافر فلا تصح؛ لأنه جعل الكفر حاملا على الوصية.
-أما المالكية فيوافقون من سواهم على صحة وصية الذمي لمسلم.
-أما وصية المسلم لذمي فيرى ابن القاسم وأشهب الجواز إذا كانت على وجه الصلة، بأن كانت لأجل قرابة، وإلا كرهت. إذ لا يوصي للكافر ويدع المسلم إلا مسلم مريض الإيمان. وصرح الحنفية كما في الطحاوي على الدر، وغيره، بأن الكافر إذا أوصى لكافر من ملة أخرى جاز، اعتبارا للإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة.
ينظر: الطحطاوي ٤/ ٣٣٦، والبدائع ٧/ ٣٣٥، والدسوقي على الشرح الكبير ٤/ ٤٢٦، ونهاية المحتاج ٦/ ٤٨، وكشاف القناع ٤/ ٢٩٦