للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر وصية الكافر بعد ذكر وصية المسلم لأن الكفار ملحقون بالمسلمين في أحكام المعاملات بطريق التبعية فكان ذكر التبع بعد ذكر المتبوع من المناسبة.

وأما عندهما (١) فلأن هذه معصية (٢) فلا تصح عندهما فثبت بهذه الجملة أنها تورث بالاتفاق ولكن على اختلاف التخريج (٣)؛ فعند أبي حنيفة: لعدم لزوم الوقف؛ وعندهما لكون الفعل معصية، ولا يقال: البيعة في حقهم كالمسجد في حقنا والمسلم إذا جعل داره مسجدًا في صحته وسلم إلى المتولي لا يورث فينبغي أن تكون البيعة كذلك؛ لأنا نقول: المسجد تحرر عن حقوق العباد وصار لله تعالى خالصًا فلا يورث ولا كذلك البيعة؛ لأن البيعة عندهم لمنافع الخلق فإنها يسكن فيها أساقفتهم ويدفن فيها موتاهم كذا في الجامع الصغير (٤) لقاضي خان: وغيره.

وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي … حنيفة:؛ فالحاصل أن أبا حنيفة: فرق بين جعل الذمي داره بيعة أو كنيسة وبين وصيته بأن يجعل داره بيعة أو كنيسة فلم يجز في الأول كما هو مذهبهما (٥) وأجاز في الثاني من الثلث.

وله أن هذه قربة في معتقدهم ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ قال مشائخنا رحمهم الله: هذا الاختلاف فيما إذا أوصى ببناء بيعة أو كنيسة في القرى؛ فأما في المصر فلا يجوز بالاتفاق لأنهم لا يمكنون (٦) من إحداث البيعة في الأمصار كذا في الجامع الصغير البرهاني (٧) (٨).


(١) سبق ص ١٧١.
(٢) الْمَعْصِيَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ مِنَ الطَّاعَةِ يُقَال عَصَاهُ مَعْصِيَةً وَعِصْيَانًا: خَرَجَ مِنْ طَاعَتِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ فَهُوَ عَاصٍ وَعَصَّاءٌ وَعَصِيٌّ، والمعصية مخالفة الأمر قصدًا ..
وَفِي الاِصْطِلَاحِ: قَال الْبَزْدَوِيُّ: الْمَعْصِيَةُ اسْمٌ لِفِعْل حَرَامٍ مَقْصُودٍ بِعَيْنِهِ.
ينظر: التعريفات (٢٢٢)، معجم لغة الفقهاء (٤٤١)، كشف الأسرار عن أصول البزدوي … ٣/ ٢٠٠.
(٣) في (ج): الترجيح؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) ينظر: بدائع الصنائع (٧/ ٣٤١).
(٥) في (أ) و (ب): مذهبنا؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.
(٦) في (ب): لا يتمكنون؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٧) تبيين الحقائق (٦/ ٢٠٥)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٥١٩).
(٨) لعل المقصود: شرح برهان الدين البخاري على الجامع الصغير؛ وهو مخطوط. ينظر: الفوائد البهية (ص/ ٢٠٥)، البحر الرائق (٢/ ٣٣).