للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم كل واحد يصير [اثنتي] (١) عشرة فرقة، فتبلغ إلى اثنتين وسبعين فرقة (٢).

وذكر في الذَّخيرة: «وشهادة أهل الأهواء مقبولة عندنا، إذا كان هوىً لا يَكفُر به صاحبه، ولا يكون ماجناً (٣)، ويكون عدلاً في تعاطيه، وهو الصحيح.

واستدل محمد - رحمه الله - في الكتاب في بيان ذلك، فقال: أرأيت أنَّ أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ساعدوا معاوية على مخالفة علي -رضي الله عنه- ولو شهدوا بين يدي علي أكان يرد شهادتهم، ولا شك أنَّ مخالفة علي بعد عثمان -رضي الله عنهما- بدعة وهوى، فكيف الخروج عليه بالمسايفة (٤).

لكن لما كان عن تأويل وتدين لم يمنع قبول الشَّهادة، فكذا هذا.

ولأنَّه مسلم عدل في تعاطيه، شهد لغيره من كل وجه، وهو من أهل الشَّهادة فيقبل شهادته، قياساً على غير صاحب الهوى» (٥).

«وإنَّما قلنا: إنَّه مسلم؛ لأنَّ الكلام في الهوى لا يكفر به صاحبه؛ وإنَّما قلنا: عدل في تعاطيه؛ لأنَّه لم يرتكب ما هو حرام في دينه، واعتقاده حرمته، مثل حرمة شهادة الزُّور، حتى يستدل به على شهادة الزُّور، وصار كمن شرب المُثَلَّثِ (٦)، أو يأكل متروك التسمية عامداً مستبيحاً لذلك، معتقداً إباحة ذلك؛ فإنَّه لا يصير به مردود الشَّهادة». كذا في المبسوط (٧).

[في شهادة الخطابية]

«إلا الخطَّابيَّة» (٨)، فهم قوم يُنسبون إلى أبي الخطاب (٩)، رجل كان بالكوفة (١٠) قتله عيسى بن موسى (١١) وصلبه بالكنائس؛ لأنَّه كان يزعم أن علي بن أبي طالب الإله الأكبر، وجعفر الصادق (١٢) الإله الأصغر، وكانوا يعتقدون أنَّ من ادَّعي منهم شيئاً على غيره يجب أن يشهد له بقية شيعته (١٣). كذا في شرح الأقطع (١٤).


(١) في «ج»: [اثني]
(٢) العناية شرح الهداية (٧/ ٤١٥).
(٣) الماجن: هو الفاسق، وهو أنْ لا يبالي بما يقول ويفعل، وتكون أفعاله على نهج أفعال الفساق. التعريفات للجرجاني (ص ١٧٣).
(٤) المسايفة: أن يلتقي القوم بأسيافهم ويضرب بعضهم بعضاً بها، يقال: سايفته فسفته أسيفه، إذا غلبته بالضرب بالسيف. الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (١/ ١١٦).
(٥) المحيط البرهاني (٨/ ٣١٧).
(٦) المُثَلَّث: هو عصير العنب يطبخ قبل أن يغلي ويشتدَّ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثُه. التعريفات الفقهية (١/ ١٩٤).
(٧) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٣٢).
(٨) الهداية (٣/ ١٢٣).
(٩) أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع مولى بني أسد، وهو الذي عزا نفسه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه تبرأ منه ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلك وبالغ في التبري منه واللعن عليه فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته قتله بسبخة الكوفة.
ينظر: الملل والنحل (١/ ١٨٠)، فرق الشيعة (١/ ٤٢).
(١٠) الكوفة: كانت تسمى أحد العراقين، والآخر البصرة - مدينة أسسها المسلمون عند فتح العراق أسسها سعد بن أبي وقاص سنة ١٧ للهجرة، ولما تولى الخلافة الإمام علي -رضي الله عنه- اتخذ الكوفة عاصمة له، فلما قتل دفن بظاهرها في موضع يدعى النجف، تقع الكوفة على نهر الفرات، وعلى مسافة ثمانية كيلو مترا تم مدينة النجف، و ١٥٦ كيلو متراً من بغداد.
ينظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص ٢٦٧).
(١١) عيسى بن موسى بن محمد العباسي، أبو موسى أمير، من الولاة القادة، وهو ابن أخي السفاح، ولد ونشأ في الحميمة، وكان من فحول أهله وذوي النجدة والرأي منهم، ولاه عمه الكوفة وسوادها سنة ١٣٢ هـ، وجعله ولي عهد المنصور، فاستنزله المنصور عن ولاية عهده سنة ١٤٧ هـ وعزله عن الكوفة، وأرضاه بمال وفير، وجعل له ولاية عهد ابنه المهدي، فلما ولي المهدي خلعه سنة ١٦٠ هـ بعد تهديد ووعيد، وكان ولي العهد لا يخلع ما لم يخلع نفسه ويشهد الناس عليه، فأقام بالكوفة إلى أن توفي سنة ١٦٧ هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (٧/ ٤٣٤)، الأعلام للزركلي (٥/ ١٠٩)
(١٢) جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، الهاشمي القرشي، أبو عبد الله، الملقب بالصادق: سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، كان من أجلاء التابعين، وله منزلة رفيعة في العلم، أخذ عنه جماعة، منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك، ولقب بالصادق؛ لأنه لم يعرف عنه الكذب قط، مولده سنة ٨٠ هـ، ووفاته سنة ١٤٨ هـ بالمدينة.
ينظر: حلية الأولياء (٣/ ١٩٢)، وفيات الأعيان (١/ ٣٢٧)، الأعلام (٢/ ١٢٦).
(١٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤١٦)، وينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٢٣).
(١٤) شرح الأقطع: هو شرح الإمام أحمد بن محمد بن محمد بن نصر البغدادي المعروف بأبي نصر الأقطع، الحنفي، توفي برامهرمز سنة ٤٧٤ هـ، وهو شرح على مختصر القدوري في فروع الحنفية، للإمام أحمد بن محمد القدوري، البغدادي، الحنفي، المتوفى سنة ٤٢٨ هـ، وهو الذي يطلق عليه لفظ الكتاب في المذهب.
ينظر: كشف الظنون (٢/ ١٦٣١)، هدية العارفين (١/ ٨٠).