للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب: استيلاء الكفار]

لما ذكر استيلاءَنا على الكفَّار ذَكر في هذا الباب عكسَه؛ لأنَّ له أحكامًا مختلِفة أيضًا، فكان قوله: (استيلاء الكفار) من قَبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، لكنْ بدأ الباب بذكر/ استيلاء الكفارُ الكفارَ فقال: (وإذا غلب الترك على الروم).

فالتُّرك: جَمع التركي، والرُّوم: جمع الرُّومي، فالمراد منه كفَّار الترك ونصارى الروم، فكلاهما كَافران (١).

(حَلَّ لنا ما نَجِده من ذلك) أي: ما نجِدُه من الذي أخذه التُّرك من أهل الرُّوم، لأنَّ ذلك المأخوذ صار ملكًا للتُّرك كسائر أملاكهم.

(لأنَّ الاستيلاء محظور ابتداءً) أي: في دار الإسلام (وانتهاءً) أي: في دار الحرب عند الإِحراز بها، وجاز أنْ يكون قوله: (انتهاءً) احترازًا عمَّن رمى إلى مسلم، وارتد قبل الإصابة؛ فإنَّه لم يبق معصومًا.

(والمحظور لا يَنْتَهِض سَبَبًا للملك على ما عُرف [من قاعدة الخصم] (٢) وتقيُّده بقاعدة الخصم إنَّما يصِحُّ في المحظور الذي هو محظور مِن وجه دون وجه، كما في البيع الفاسد. وأمَّا المحظور مِن كلِّ وجه بأنْ يكون محظورًا بأصْله ووَصْفه، كما في البيع البَاطل بأنْ باع شيئًا بمَيْتة أو دَم أو استولى المسلم على مالِ مسلمٍ، فإنَّه غير موجِب للملك بالاتِّفاق (٣).

ولنَا (أنَّ الاستيلاء وَرَد على مال مباحٍ فينعقِد سَببًا للملك) كما في الاصطياد والاحتطاب. وإنّما قلنا: أنَّ استيلاء الكفار ورد على مال مباح؛ لأنَّاستيلاءهم على أموالنا إنَّما يثبت الملك لهم إذا أحرزوها بدارهم، والكلام فيه، فبَعد الإحراز بدارهم يزول عصمة صاحِبها، ويصير مباح التَّملُّك، فلا يكون أخذُهم ذلك المال عدوانًا (٤)؛ كذا في الأسرار.


(١) قال في البحر الرائق: فَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ التُّرْكَ جَمْعُ التُّرْكِيِّ وَالرُّومَ جَمْعُ الرُّومِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
وفي شرحه منحة الخالق: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٥/ ١٠٢):
قَالَ فِي النَّهْرِ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الرُّومِ وَالتُّرْكِ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِالْيَاءِ كَزِنْجٍ وَزِنْجِيٍّ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ التُّرْكَ الَّذِي هُوَ جَمْعُ تُرْكِيٍّ جَمْعٌ عَلَى أَتْرَاكٍ وَهَذَا لَا يَنْفِيه صَاحِبُ النِّهَايَةِ.
(٢) في (أ) "من ما عن لهم"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٩٢).
(٣) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٤ - ٥)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٨٧).
(٤) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٥)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٨٩).