للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أمَّا الجواب (١) عن الحديث فقد اختلف (٢) الرواية فيه، وذُكِر في بعض الروايات «إن أحبوا قتلوا وإن أحبّوا فادَوا» (٣)

والمفاداة على وزن المفاعلة فيقتضي وجوب (٤) الفعل بين اثنين بالتراضي، وذلك أخذ الدية بطريق الصلح ولو صح ما رواه الخصم وهو قوله: «وإن أحبوا أخذوا الدية» (٥) فتأويله من وجهين:

[[ذكر تأويل الحديث]]

أحدهما: أنه محمول على رضا القاتل وإنما لم يذكر رضى القاتل؛ لأن ذلك معلوم ببديهة العقل فإن من أشرف على الهلاك إذا تمكن من دفع الهلاك عن نفسه بأداء المال لا يمتنع من ذلك إلا من سفهت نفسه؛ لأن امتناعه لإبقاء منفعة المال لنفسه ولا يتصور ذلك بعدما تلفت نفسه وهو نظير قوله -عليه السلام-: «خُذ سَلَمكَ أو رأس مالك» (٦) وهو في أخذ رأس المال محتاج إلى رضى المسلم إليه ولم يذكره لأنه غير محتاج إليه لأنه معلوم بطريق الظاهر.

والثاني: أن المراد أن لا يجبر الولي على أخذ الدية شاء أو أبى؛ لأن له أن يجبر غيره على أداء الدية بدليل قصة الحديث الذي ذُكرت في المبسوط (٧) حيث بَيَّن النبي -عليه السلام- تلك القصة أن حكم التخيير قد انتسخ (٨) وأن الولي لا يجبر على أخذ الدية بعده.


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسَّرَخْسِيِّ (٢٦/ ٦٢، ٦٣)
(٢) وفي (ب) (اختلفت)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٣) قال الماوردي في الحاوي الكبير (١٢/ ٩٦)، في (كتاب القتل)، في (باب الخيار في القصاص): فإن قيل: فقد روي «إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا فادوا» والمفاداة لا تكون إلا عن مراضاة. قيل: هذه رواية شاذة.
(٤) وفي (ب) (وجود)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٥) المعجم الكبير (٢٢/ ١٨٦)، برقم (٤٨٦).
(٦) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٤/ ٢٧١)، في (كتاب البيوع والأقضية)، في (باب من كره أن يأخذ بعض سلمه وبعضا طعاما)، برقم (٢٠٠٠٦)، بلفظ «حدثنا وكيع عن سفيان عن زيد بن جبير قال: سمعت بن عمر يقول: خذ رأس سلمك أو رأس مالك». ورواه أبو داود (٣/ ٢٧٦)، (كتاب الإجارة)، في (باب السلف لا يُحَوّل)، برقم (٣٤٦٨)، بلفظ «من أسلف في شيء فلا يصرفه عن غيره». ورواه ابن ماجه (٢/ ٧٦٦)، في (كتاب التجارات)، في (باب من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)، برقم (٢٢٨٣)، بلفظ «إذا أسلفت في شيء فلا تصرفه إلى غيره»، قال في خلاصة البدر المنير: حديث أبي سعيد مرفوعا من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف.
(٧) أن رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل يوم فتح مكة بعدما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكف عن القتل، فخطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «أما أنتم يا معاشر خزاعة فقد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته فوداه بمائة من الإبل من عند نفسه. ثم قال: فمن قتل له بعد اليوم قتيل فأهله بين خيرتين».
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٦٢). والحديث سبق تخريجه (ص ٢٠١).
(٨) وفي (ب) (انفسخ).