للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجواب عن المعنى: فنقول أنه أتلف شيئاً مضمونًا فيتعذر (١) ضمانه بالمثل ما أمكن كإتلاف المال وتفويت صرف (٢) الله تعالى من الصلاة والصوم على ما نص الله تعالى في المضمونات بالمماثلة بقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٣) وقد بيَّنا أنه لا مماثلة بين الآدمي والمال من حيث الصورة ولا من حيث المعنى بل بينهما مضادة بكونهما (٤) مالكاً ومملوكًا ومبتذِلاً ومُبتذَلاً والقصاص الذي ينبئ عن المماثلة واجب بطريق الجبران، ولا تحصل الحياة بالمال وإنما جبران الحياة بحياة مثله وذلك بالقصاص، فإن الله تعالى نص على أن في القصاص حياة فعلينا أن نعتقد هذا المعنى في القصاص عقلنا (٥) أو لم نعقل، ثم هو معقول من الوجه الذي قررنا أنه حياة بطريق دفع سبب الهلاك فبعد [ما] (٦) أثبتنا المماثلة بين إتلاف وإتلاف في الآدميين بالنص والمعقول لم يحتج إلى إقامة نظير له في المضمونات المالية.

وأما ما ذكره من أخذ الأَرْشَ بغير رضاء (٧) الجاني فيما إذا كانت يد القاطع شلَّاء، فهو أن المجني عليه هناك عاجز عن استيفاء مثل حقه بصفته لمعنى في الجاني؛ فلذلك يخير المجني عليه إن شاء تجوَّز بدون حقه وإن شاء مال إلى استيفاء الأرش بمنزلة من أتلف على آخر كَرَّ (٨) حِنْطَة (٩) جيدة ولم يجد عنده إلا كرًّا رديًّا فإنه يتخير بين أن يتجوز بدون حقه وبين أن يطالبه بالقيمة لتعذر استيفاء المثل بصفته وكلامنا فيمن كان قادراً على استيفاء مثل حقه من القصاص فلا يكون له الخيار.

وأمّا الجواب عن عفو أحد الشريكين: فإنه إذا عفى أحد الشريكين يجب للآخر المال لأنه تعذر (١٠) عليه استيفاء القصاص بمعنى في القاتل، وهو أنه حتى يقص (١١) نفسه بعفو الشريك وكان ذلك في معنى الخطأ فوجب المال للآخر ولا يجب للعافي؛ لأنَّه إنما تعذر استيفاء القصاص للعافي بإسقاط من جهته لا بمعنى (١٢) في القاتل، ثم إقدام العافي على العفو يكون تعيينًا منه بحقه في القصاص لأنَّ العفو تصرف منه بإسقاط القصاص وذلك لا يكون إلا بعد تعيين حقه فيه ومع تعيين حقه في القصاص لا يجب له المال، وأمَّا وجوب الضمان على أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه من العبد المشترك فلأنَّه أفسد نصيب شريكه الذي هو مال متقوم.


(١) وفي (ب) (فيتقدر)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٢) وفي (ب) (حقوق)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٣) سورة البقرة من الآية (١٩٤).
(٤) وفي (ب) (لكونهما).
(٥) وفي (ب) (عقلناه)
(٦) زيادة في (ب)
(٧) وفي (ب) (رضا)، وهي الصواب.
(٨) كر: قال الليث: الكر: الحبل الغليظ. وهو أيضا حبل يُصعد به على النخل. وجمعه كُرُور. يُنْظَر: العين (٥/ ٢٧٧)، تهذيب اللغة (٩/ ٣٢٧)، المحيط في اللغة (٦/ ١٣٨).
(٩) الحنطة: القمح، جمع: حنط. المعجم الوسيط (١/ ٢٠٢).
(١٠) وفي (ب) (مقدر).
(١١) وفي (ب) (حيى بعض).
(١٢) وفي (ب) (لمعنى).