للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ حَفِظَ أَبُو حَنِيفَةَ -رحمه الله- لِسَانَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ؛ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ الْجَنَّةَ، وَلَا يَتَعَوَّذَ مِنَ النَّارِ؛ وَلَكِنَّهُ قَالَ: يَسْتَمِعُ، وَيُنْصِتُ؛ فَيَحْصُلُ بِهَذَا الْجَوَابِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ؛ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْمَ وُعِدُوا الرَّحْمَةَ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

بَعْدَ الْأَمْرِ بِالاسْتِمَاعِ (١) وَالْإِنْصَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ -رحمه الله-.

[[حكم القراءة أو الحديث والإمام يخطب]]

قوله -رحمه الله-: (وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ)

رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا وَمَنْ لَغَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ» (٢) (٣) وَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا؛ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ، فَالتَّكَلُّمُ فِي خِلَالِهِ يُذْهِبُ بَهَائَهُ؛ فَلَا يُشْغَلُ (٤) بِهِ كَمَا فِي خِلَالِ الْأَذَانِ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ، وَرَدُّ السَّلَامِ؛ لَا يَأْتِي بِهِمَا إِلَّا رِوَايَةٌ رُوِيَتْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: (رَدُّ السَّلَامِ فَرْضٌ وَالاسْتِمَاعُ سُنَّةٌ) (٥)، وَلَكِّنَّا نَقُولُ رَدُّ السَّلَامِ؛ إِنَّمَا يَكُونُ فَرْضاً إِذَا كَانَ السَّلَامُ مَشْرُوعاً، وَفِي حَالِ الْخُطْبَةِ؛ الْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنَ السَّلَامِ، فَلَا يَكُونُ الْجَوَابُ فَرْضاً كَمَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ.


(١) (بِالاسْتِمَاعِ) ساقطة من (ب).
(٢) في (ب): (عليه).
(٣) أخرجه البخاري في"صحيحه" (١/ ٢٧٠)، كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، حديث (٩١١) بدون عبارة: (ومن لغا فلا صلاة له) لكن يشهد لتلك العبارة الزائدة ما أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه" (٤/ ١٠٥)، كتاب الصلاة، في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب، حديث (٥٣٤٨)، واحمد في "مسنده" (٣/ ٤٧٥)، حديث (٢٠٣٣)، كلاهما من حديث ابن عباس س مرفوعًا بلفظ: (وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ)، وقد ضعف الأرنؤوط رواية أحمد فقال: (إسناده ضعيف).
(٤) في (ب): (يشتغل).
(٥) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (٢/ ٢٩)، "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٢٦٤)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (٢/ ٨٣).