للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجوابُ عمَّا رَوَي فنقول: ما روْيتُم مُحتملٌ، فإنه يحتملُ أن يُرادَ بالزيادةِ على المائتينِ أربعونَ، أي: بحسابِ ذلك في كلِ أربعينَ، ويحُتملُ أن يُرادَ ما زَعَمتُم، أيْ: فِبحسابِ ذلك في قليلهِ وكثيره، وما رويناهُ محُكمٌ لا يحتملُ التأويل؛ لأن قولَهُ -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ -رضي الله عنه-: «لا تأخذْ مِن الكسور شيئا» (١) لا يحتملُ غيرَ ما ذكرنا، فكان ما رويناهُ أَوْلَى؛ لِكونهِ محُكماً، وعلى قولهما يلزم الكسور، وهو منهيٌ عنه، والتقديرُ الذي لا يلزمُ منه الكسور، ذُكر في آخرِ ذلك الحديث، ذَكَرَهُ في "المَبْسُوط" (٢).

[[مسألة الكسور]]

وقال: قال لهُ النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا تأخذْ مِن الكسور شيئًا، وفي مائتي درهم خمسة دراهم، فما زاد على ذلك، ففي كلِّ أربعين درهمًا درهم» (٣).

ومعنى قولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «لا تأخذْ مِن الكسور شيئًا»، أي: لا تأخذ من الشيء الذي يكون المأخوذُ منهُ كَسْرًا سمُيِّ محَلُ الواجبِ باسم الواجب، وفي إيجاب الكسور ذلك، أي: الحرجُ (لتعذُرِ الوقوف) (٤)؛ وذلك لأنه إذا مَلَكَ مائة درهم وسبعة دراهم، فعندها يجب عليه خمسةُ دراهم وسبعةُ أجزاءٍ من أربعين جزءًا من درهم، فتعذر معرفةُ سبعةِ أجزاء من أربعين جزءًا من درهم، فحينئذ لا يَقْدِرُ على الأداء.

[[تأخير الزكاة لعذر]]

وإذا لم يؤَّد في السَّنةِ الأولى للتعذر حتى حال حَوْلٌ آخر يجب عليه في السنة الثانية زكاةُ ما بقي من المال بعد الزَّكَاةِ؛ لأنّ دَيْنَها مُستحَقٌ، وإنْ لم يؤدِّ، وذلك مائتا درهم ودرهم وثلاثة وثلاثون جزءًا من أربعين جزءاً منِ درهمٍ واحدٍ، وزكاةُ درهم، وثلاثةَ وثلاثون جزءًا من أربعين/ جزءاً آخر درِهمٌ واحدٌ وزكاةُ درهم وثلاثة وثلاثين جزءًا من أربعين جزءًا في درهمٍ لا يُعرفُ البتةَ (٥)، فصحَّ ما قلنا: إنه متعذرٌ، كذا في مَبْسُوطِ أبي اليسر -رحمه الله- (٦) (٧).


(١) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في "سننه" (٧٥٢٤ - ٤/ ٢٢٨) وقال: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه قال: " قال لي علي بن عمر الحافظ: هذا الحديث به المنهال بن الجراح متروك الحديث وهو أبو العطوف واسمه الجراح بن منهال وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه وعبادة بن نسي لم يسمع من معاذ قال الشيخ: مثل هذا لو صح لقلنا به ولم نخالفه إِلاَّ أن إسناده ضعيف جداً، والله أعلم.
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي ٢/ ٣٤٢.
(٣) سبق تخريجه ص (٩٧).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٣).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ١١٩).
(٦) هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبدالكريم بن موسى بن مجاهد، أبو اليسر البزدوي، فقيه، أصولي ولي القضاء بسمرقند، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، من تصانيفه: "المَبْسُوط" في فروع الفقه وهو في احدى عشر مجلداً ولايزال مخطوطاً توفي ببخارى (٤٩٣ هـ).
يُنْظَر: (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: ١٩/ ٤٩)، و (الجواهر المضية: ٢/ ٢٧٠)، الفَوَائِد البهية: ص ١٨٨).
(٧) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢١٨)، البناية (٣/ ٣٧).