للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفَّت والنقير]

(ولا بأس بالانتباذ في الدُّبَّاء) (١) إلى أن قال: (في حديث فيه طول) (٢) وهو ما روى بُريدة (٣) -رضي الله عنه-، أنّ رسول الله -عليه السلام- قال: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُوْرِ فَزُوْرُوْهَا فَقَدْ أُذِنَ لْمُحَمَّدٍ فِيْ زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، وَلَا تَقُوْلُوْا هُجْرًا (٤)، وَعَنْ لَحْمِ الْأَضَاحِيْ [أَنْ] (٥) تُمْسِكُوْهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَأَمْسِكُوْهُ مَا بَدَا لَكُمْ، وَتَزَوَّدُوْا، فَإِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِيَتَّسِعَ بِهِ [مُوْسِرُكُمْ] (٦) عَلَى مُعْسِرِكُمْ، وَعَنْ النَّبِيْذِ فِيْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ فَاشْرَبُوْا فِيْ كُلِّ ظَرْفٍ فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يًحَرِّمُهُ» (٧) (٨)، وفي الحديث دليل جواز نسخ السُّنَّة بالسُّنَّة (٩).


(١) يُنْظَر: بداية المبتدي (ص ٢٢٧).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٣٤).
(٣) بُرَيْدَة: هو الصحابي الجليل بريدة بن الحُصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج، الأسلمي، يُكنى: أبا عبدالله، عَلَى المشهور، أسلم حين مر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً، هو ومن معه، وكانوا نحو ثمانين بيتاً، قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أُحُد، فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية، وبيعة الرضوان تحت الشجرة، نزل البصرة، ثم خرج غازياً إلى خُرَاسان، فأقام بمرو حتى مات ودفن بها، له جُمْلة أحاديث، روى عنه: ابْناهُ عبد الله وسليمان، والشعبي، وأبو المليح بن أسامة، وجماعة، توفي في سنة ٦٢ هـ على الأصح. يُنْظَر: أسد الغابة لابن الأثير (١/ ٢٠٩)، سير أعلام النبلاء (٢/ ٤٦٩)، تاريخ الإسلام للذهبي (٢/ ٦٢١).
(٤) هُجْرًا: فُحْشًا، اسْمٌ مِنْ أَهْجَرَ فِي مَنْطِقِهِ: إِذَا أَفْحَشَ. يُنْظَر: طِلْبَة الطَّلَبة للنسفي (ص ١٦٠)، الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٥٤٢).
(٥) في (ب): (ألَّا).
(٦) في (ب): (موسعكم).
(٧) أخرجه بهذا اللفظ محمد بن الحسن الشيباني في كتابه "الآثار" (٢/ ٣١٣) باب (زيارة القبور) برقم (٢٦٨): مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «نَهَيْنَاكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا؛ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، وَعَنْ لَحْمِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تُمْسِكُوهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَأَمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَكُمْ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّا إِنَّمَا نَهَيْنَاكُمْ لِيَتَّسِعَ مُوسِعُكُمْ عَلَى فَقِيرِكُمْ، وَعَنِ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ، فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ فَإِنَّ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ».
- والشاهد من هذا الحديث وهو قولُه: «فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ فَإِنَّ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ»، قد أخرج مسلمٌ في صحيحه (٣/ ١٥٨٥) كتاب (الأشربة) باب (النهي عن الانتباذ في المزفت) برقم (١٩٩٩) بِسَنَدِه: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».
(٨) يُنظَر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ٩ - ١٠)، الاختيار لتعليل المختار (٤/ ١٠١)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٠٦).
(٩) قال في السرخسي في "المبسوط": (فقد أُذِنَ في هذه الأشياء الثلاثة بعد ما كان نُهِيَ عنها، وبالإذْن يُنْسخ حُكْم النَّهْي). يُنظَر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ١٠).