للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إذا كانَ الغالبُ عليه الغِشُّ فالحكمان، أعني: عدمُ اشتراطِ نية التجارةِ، وعدمِ الاحتياج إلى التقويم عِلى العكسِ كما في سائرِ العروض (١)، يعني: أنها إذا لم تكن للتجارة يُنْظَرُ إلى مَا يخلص منها من الفضةِ، فإن بلغ مائتي درهم تجبُ الزكاة؛ لأنه لا تعُتبر في عين الْفِضَّة القيمةُ ولا نيةَ التجارةِ، وإنْ كانت مما لا تختص منها الْفِضَّة فهي كالمضروبة من الصفر كالقُمْقُم والمِرْجَلِ (٢)، فلا شيءَ فيها إِلاَّ إذا كانتْ للتجارة، وقد بلغتْ قيمتها مائتي درهم فيَجب فيها خمسةُ دراهم (٣). والله أعلم بالصواب.

فَصلٌ في الذهب

وقد ذكرنا وجهَ المناسبةِ (٤) (٥) قولهُ -رحمه الله-: (لمِا روينا إشارةً) (٦) إلى قولهِ: في أولِ فصل الْفِضَّة كَتَبَ إلى معاذ (أن خذ … ) (٧) إلى أن قال: وفي كلِّ عشرينَ مِثْقَالاً آخَر ذهب نصِف مِثْقَال.

(والمِثْقَالُ ما يكونُ كُلَّ سبعةٍ منها وزنُ عشرةِ دراهم، وهو المعروف) (٨) (٩).

قوله -رحمه الله-: منها، راجعٌ إلى قولهِ: ما يكونُ أو إلى المِثْقَال على تأويل المثاقيل، فإن سبعةَ مثاقيلَ اشتُرطتْ في التعريف فكان المِثْقَالُ، أو ما يكون في معنى سبعةِ مثاقيل، وهو المعروف، أيْ: المِثْقَالُ معروفٌ بين الناسِ، وهو قَدْرُ وَزْنِ الدِّينارِ مِنَ الذهبِ (١٠) مِثْقَالُ الشيءِ ميزانهُ من مثلهِ وهو في الثِّقلِ، ولكن غَلبَ استعمالهُ في قدر وزنِ الدينارِ مِنَ الذَّهَبِ قال (١١): فإنْ قلت: في هذا التعريفِ الذي ذَكَرَهُ في الْكِتَابِ (١٢) دورٌ (١٣) فإنه عُرِّف، قبلَ هذا في فصلِ الْفِضَّة وزنُ السبعةِ بالمِثْقَال؛ لِقولهِ: والمعتبرُ في الدَّراهِمِ وزنُ سبعة إلى آخره، ومنها عُرِّفَ المِثْقَالُ بوزن السبعة، وكلُّ تعريف يُؤدِّي إلى الدورِ فهو باطلٌ؛ لأنه لا يحصلُ التعريفُ به؛ لتوقفِ كُلِّ واحدٍ منها إلى الآخر، إذ كونه مُعَرِّفاً يقتضي أن يكونَ سابقًا، وكوُنه مُعَرَّفاً يقتضي أن يكونَ مسبوقًا، ومحُال أنْ يكونُ الشيُء الواحدُ بالنسبة إلى الآخرِ سابقًا ومسبوقًا.


(١) العُرُوضُ الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا ولا عقارا. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: ٢٠٩).
(٢) القُمْقُم إناء صغير من نحاس أو فضة (المرجل) القدر من الطين المطبوخ أو النحاس. يُنْظَر: المعجم الوسيط (٢/ ٧٦٠) (١/ ٣٣٢).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢١٣).
(٤) بياض في (أ) وفي (ب) (قوله -رحمه الله-
(٥) تقدم كلام المؤلف رحمه الله في بداية كتاب الزكاة ص (٩٣).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٣).
(٧) رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع (١٦٠١)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال (١٨١٤). ولفظه: (خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: ٢/ ٢١٤.
(٩) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٣).
(١٠) نصاب الزكاة: في الذهب عشرون دينارًا، ونصاب الفضة مائتا درهم، فإن لم يتم هذا النصاب عند مالكه فلا زكاة عليه وذلك مجمع عليه.
ونصاب الزكاة: في الفلوس وفي الأوراق النقدية عند من أوجب فيها الزكاة يقوم بتقويمهما بالدينار والدرهم. ونصاب الزكاة: في عروض التجارة يقوم بالدينار أو الدرهم الشرعيين كذلك.
يُنْظَر: فتح القدير (١/ ٥٢٧)، شرح المنهاج (٢/ ٣٠)، الْمُغْنِي (٣/ ٣٣).
(١١) سقطت في (ب).
(١٢) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٦).
(١٣) يَدُورُ، دَوْرًا" و دَوَرَانًا طاف به، و"دَوَرَانُ" الفلك تواتر حركاته بعضها إثر بعض من غير ثبوت ولا استقرار ومنه قولهم "دَارَتِ" المسألة أي كلما تعلقت بمحلّ توقف ثبوت الحكم على غيره فينقل إليه ثُمَّ يتوقف على الأول. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: ١٠٧).