للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له إطلاق حديث معاذ (١)، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: "خذ من كلّ حالِم وحالِمة" (٢).

(لأنَّهم تحمَّلوا الزِّيادة بسبَبِهم) أي: صار مواليهم بسبَبِهم من صِنف الأغنياء أو وسَط الحال، فإنَّ عيسى بن أبان (٣) فسَّر الغَني بأْن كان ما يملكه يكفِيه وعيالَه ويفضُل، فربَّما كان الرَّجل بكثرة غِلمانه وإكسابهم يكُون على هذه الصِّفة فيكون غَنيًا، وجزية الغني على ضِعف (٤) جِزية الفقير، فكان تحمُّل زيادةِ الجزية بسبب الغِلمان؛ ثمَّ لو قلنا بأنَّه يؤدِّي عنهم أيضًا لكان وجوب الجزية مرَّتَين بسبب شيءٍ واحد، وذلك لا يجوز.

[[إسلام من عليه جزية]]

(ومن أسلم وعليه جِزية سقطت عنه) سواء كان (٥) قبل استكمالِ السَّنَة أو بعدها، قبل أنْ يُؤخذ منه خَراج رأسِه سقَط عنه ذلك عندنا (٦).

وقال الشافعي: إنْ أسلَم بعد كمالِ السَّنة لم تَسقُط، وإنْ أسلَم قبل كمال السَّنة فله فيه وجهَان (٧). وكذلك إذا مات كافرًا، وكذلك إذا عَمِي أو صار مُقعَدًا أو زَمِنًا أو شيخًا كبيرًا لا يستطيع أنْ يعمَل أو صار فقيرًا لا يقدِر على شيء، وبقي عليه من جِزية رأسِه شيءٌ، سقَطَ ذلك البَاقي (٨)؛ كذا في فتاوى قاضي خان.


(١) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن: صحابي جليل، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وشهد العقبة مع الأنصار السّبعين. وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، له ١٥٧ حديثا. توفي سنة (١٨ هـ). ينظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (١/ ٢٢٨)، صفة الصفوة (١/ ١٨٥)، أسد الغابة (٥/ ١٨٧).
(٢) قال عليه السلام لمعاذ: "خذ من كل حالم، وحالمة دينارًا أو عدله معافر"، قلت: أخرجه أبو داود، والترمذي والنسائي ٣ "في الزكاة" عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ، قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن، وذكر أن بعضهم رواه عن مسروق عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، قال: وهو أصح، نصب الراية (٣/ ٤٤٥ - ٤٤٦).
(٣) هو عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى: قاض من كبار فقهاء الحنفية، كان سريعًا بإنفاذ الحكم، عفيفًا، خدم المنصور العباسي مدّة، وولي القضاء بالبصرة عشر سنين، وتوفي بها. سنة (٢٢١ هـ)، تاريخ الإسلام ت بشار (٥/ ٦٥١)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٤٠١).
(٤) في (ب) "صعف".
(٥) ساقط من (ب).
(٦) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ٨٠).
(٧) وإن مات، أو أسلم في أثناء السنة، يجب قسط ما مضى كالأجرة في أظهر القولين كما فيروضة الطالبين، وهو الأصح كما في التنبيه.
والقول الآخر: عدم الوجوب كالزكاة. ينظر التنبية في الفقه الشافعي (ص: ٢٣٨)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (١٠/ ٣١٢)، منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص: ٣١٣)، التذكرة في الفقه الشافعي لابن الملقن (ص: ١٣٧)، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (٢/ ٢٢٠)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٦/ ٧٠).
(٨) ينظر فتاوى قاضيخان (٣/ ٣٧٠).