للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الأسرار: وقال الشافعي -رحمه الله- لا تُقبل الجزية إلَّا من أهل الكتاب، ويسترقُّ مشركوا العَرب والعَجم جميعًا (١).

(إذ كلُّ واحدٍ منهما) أي: مِن الإسترقاق وضرب الجزية؛ فإنَّهما يتساويان فيجريان مجرىً واحدًا، فإنَّ الاسترقاق سَلْب النَّفس معنىً، وكذا أخذ الجزية؛ لأنَّه يعمل (٢) ويؤدِّي ما يكتسِب إلى المسلمين، فكلُّ مَن (٣) جاز إبقاؤه للاسترقاق، جاز إبقاؤه لأخْذ الجِزية (٤)؛ كذا في الإيضاح.

ولا يلزم على هذا استرقاق الصِّبيان؛ لأنَّهم صاروا أتباعًا لأصولهم في الكْفر فلزمهم حكم الأصول أيضًا (٥)؛ كذا في الأسرار.

فإن قيل: الجزية ليست بمساوية للاسترقاق، ألا ترى أنَّ المرأة تُسترقُّ، ولا يجوز ضرب الجزية عليها؟ قلنا: امتناع ضرب الجزية عليها لمانع لا يدلُّ على عَدم مساواتهما (٦). والجزية مشروعة لإسقاط القَتل، فكلُّ مَن يُقتل مِن الكفَّار باعتبار صلاحيتهم القتال يُؤخذ منهم الجزية، والمرأة لا تُقْتَل فلا يُؤخذ منها الجزية لذلك. وأمَّا المساواة بين ضَرب الجزية والاسترقاق فثابتةٌ لما ذكرنا، وبدليل ثبوت الخيار للإمام عند الظهور عليهم في رقابهم بين الاسترقاق وبين ضَرب الجزية على رقابهم.

(وإن ظهر عليهم) أي: على أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم.

(قبل ذلك) أي: قبل وضع الجزية، أي: الحُكم فيهم لو (٧) لم توضَع الجزية عليهم، فهم بأجمعهم مِن الرِّجال والنساء والصِّبيان غنيمة للمسلمين.

[[من لاتؤخذ منهم الجزية]]

(ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب) وإنَّما قيَّد بعبَدَة الأوثان مِن العرب لأنَّ وضع الجزية على أهل الكتاب من العرَب جائز، فإنَّه ذكر في شرح الجامع الصغير للإمامين العَلَمين في الإتقان الجبَلَينِ في التِّبيان، أعني: شمس الأئمة وفخر الإسلام: محمدٌ عن يعقوب عن أبي حنيفة في قومٍ عَرَب من أهل الكتاب أرادوا منَّا أنْ نأخذ منهم الخراج فيكونون ذمَّةً لنا، قال [نفعله] (٨) ولا بأس به، وإنْ ظهَرنا عليهم قبل أنْ [يعطيَهم] (٩) من ذلك شيئًا فهم رجالهم ونسائهم فيء (١٠).


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١١٨).
(٢) في (ب) "لا يعمل"، والصَّحيح ما أثبته بدليل قوله في الهداية: "منهم فإنّه يكتسب ويؤدّى إلى المسلمين"، فقوله يكتسب يلزم منه العمل لا عدمه.
(٣) في (ب) "ما".
(٤) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١١٦).
(٥) ينظر شرح السير الكبير (ص: ١٤٣١).
(٦) في (ب) "مساواته".
(٧) في (ب) "ولو".
(٨) في (أ) "بفعله".
(٩) في (أ) "نعطيهم".
(١٠) ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣٠٣ - ٣٠٤).