للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصله قول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩]، ولم يُفصِّل، بل الظَّاهر أنَّها نزلَت في العَرَب؛ وأنَّ (١) النَّبي -عليه الصلاة والسلام- صالح أهل نَجران، وهم نصارى من العرب، على ألف ومائتي حلَّة (٢)، "وأن عمر -رضي الله عنه- طَلَب الجِزية من بني تغلُب" (٣) وهم نصارى العرب؛ ولأنَّ في كفرهم ضَرب خفّة (٤) بسبب الكتاب، فصحَّ تقريرهم على كفرهم بالجزية. فإنْ (٥) ظَهرنا عَليهم كانوا فَيئًا لأنَّه لما صحَّ تقريرُهم على كفرهم بالجزية صحَّ تقريرهم لضرب الرِّق لأنَّ في (٦) كلِّ واحدٍ من الموضِعين إحياؤه بطريق فيه منفعة للمسلمين. وأمَّا عَبَدة الأوثان مِن (٧) العَرب، لا يجوز أخذ الجزية منهم، فلا يجوز استرقاقهم أيضًا.

فإنْ قيل: أليس أنَّالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- قال يوم أَوطاس (٨): "لو جرى رِقٌّ على عربي لجرى اليوم" (٩) من غير تفصيلٍ بين عَبدة الأوثان منهم وبين أهل الكتاب؟ قلنا: مراده عربيُّالأصل، وأهل الكتاب، وإنْ سكنوا فيما بَين العَرب وتوالدوا، فهم ليسوا بعَرب في الأصل، وإنَّما العَرب في الأصل عَبَدة الأوثان، فإنّهم أُمِّيّون كما وصفهم الله تعالى به.


(١) في (ب) "فإن".
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة والفئ، باب في أخذ الجزية، برقم (٣٠٤١) ٤/ ٦٤٨، عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشىعن ابن عباس، "قال: صالح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل نجران على ألفي حلة". قال ابن الملقن إسماعيل هذا هو السدي الكبير وفيه مقال، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن معين: في حديثه ضعف. البدر المنير (٩/ ١٩٥).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب أهل الكتاب، باب لايهود مولود، ولاينصر، برقم (٩٩٧٤) ٦/ ٥٠، أخبرنا عبد الرزاق قال: عن ابن جريج، عن أبي إسحاق الشّيباني، عن كردوس التغلبي قال: قدم على عمر رجل من تغلب، فقال له عمر: "إنّه قد كان لكم نصيب في الجاهلية فخذوا نصيبكم من الإسلام"، فصالحه على أنْ أضعف عليهم الجزية، ولا ينصروا الأبناء.
قال ابن الملقن في البدر المنير (٩/ ٢١٢): وهذا الأثر ذكره الشافعي فقال: قد ذكره حفظة المغازي وساقوا أحسن سياقة أن عمر … فذكره.
ومثله في التلخيص الحبير لابن حجر (٤/ ٢٣٣)، وساق حديث ابن أبي شيبة عن كردوس، وقال رواه البيهقي من طريق أبي إسحاق الشيباني وأتم منه.
(٤) في (أ) "حقه".
(٥) في (أ) "بأنْ".
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (ب) "و".
(٨) أوطاس: وادٍ في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنّبي -صلى الله عليه وسلم- ببني هوازن، أوطاس مِن النوادر التي جاءت بلفظ الجمع للواحد، وهو وادٍ في ديار هوازن جنوبي مكّة بنحو ثلاث مراحل وكانت وقعتها في شوال بعد فتح مكّة بنحو شهر. معجم البلدان (١/ ٢٨١)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٦٦٤).
(٩) أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (٣٥٥) ٢٠/ ١٦٨،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْبَلَوِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ رِقٌّ كَانَ الْيَوْمَ، إِنَّمَا هُوَ إِسَارٌ أَوْ فِدَاءٌ".
قال الهيثمي: فيه يزيد بن عياض وهو كذاب. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (٥/ ٣٣٢).