للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتَ: الحكمُ إذا ثبتَ بخلافِ القياسِ لا يَقاسُ عليهِ غيرُهُ إِلاَّ إذا كانَ في معناهُ مِنْ كُلِّ وجهٍ، فحينئذٍ يثُبتُ الحُكْمُ فيهِ بطريقِ الدِّلالةِ لا بالقياسِ، فكذا سمعتُهُ مِنَ الأُستاذِ -رحمه الله- (١) (٢) غيرَ مرةٍ، وهذا الذي ذكُرهُ في معناهُ مِنْ كُلِّ وجهٍ؛ لِأَنَّ الكلَام في مريضٍ عليهِ قضاءُ رمضانَ بأنْ كانَ أَفْطَرَ في سَفرِهِ أو مَرضِهِ، ثُمَّ أدركَ عِدّةً مِنْ أَيامٍ أُخَر ولم يصمْ ثُمَّ مَرِضَ، واستمرَّ مرضُهُ إلى أنْ ماتَ، فأوصى في مرضِه ذلكَ، ألا ترى أنهُ ألحقَ مَنْ عليهِ قضاءُ الصلواتِ بالشيخِ الفاني في حقِّ جوازِ الفديةِ عن الصلواتِ، فِلأَنْ يُلحِقْ بهِ مَنْ عليهِ قضاءُ الصَّوْم بهِ أولى لورودِ النصِّ في حقِّ الصَّوْم (٣).

[[هل على الميت كفارة]]

قولُه: ثُمَّ لابُدَّ مِنَ الإيصاءِ عندَنا (٤) هذا اللزومُ للأداء على الوارثِ على نفسِ الجوازِ، فإنهُ إنَّما يجبُ على الورثةِ الفديةُ عن صومِ الميتِ إذا كانَ أوصى الميتُ، وأما إذا لم يكنْ أوصى لم يلزمْهم الفديةُ عنهُ، ولكنْ لو أدَّوها بغيرِ أمرِهِ يجوزُ في الصَّوْم، كما يجوزُ أداءُ الفديةِ عن صلاةِ الميتِ بأمرِهِ، وذكَر شمُس الأئمةِ السَّرَخْسِي في «أُصول الفقهِ» (٥): بعدما ذكَر جوازَ الفديِة عن الصَّلَاةِ بأمرِ الميتِ فقالَ: وكذلكَ قال - أي: مُحَمَّد -رحمه الله- في أداءِ الوارثِ عن المورثِ بغيرِ أمرِه في الصَّوْم يجزئُه إنْ شاَء اللهُ تعالى خِلافًا للشافعي -رحمه الله- (٦)، وخلافهُ في مواضعَ أحدِها في لزومِ الإطعامِ، وهي الفديةُ فإنما يلزمُ الورثةُ الإطعام َعن الصَّوْم عنَدنا (٧) إذا أوصى، ولا يلزمُهم إذا لمِ يوصِ، وعلى قولِ الشَّافِعِي -رحمه الله- يلزمُهُمْ، وإنْ لم يَقضِ، والثاني في اعتبارِ الثلاثِ، فعِنْدَنَا يجبُ الإطعامُ عليهم عنهُ مِنْ ثُلُثِ مالهِ حتى إذا زادَ الإطعاَمُ على ثُلثِ المالِ لا يلزمُهم ذلكّ وإنْ أوصى، وعلى قولِ الشَّافِعِي يلزمُهم ذلكَ مِنَ جميعِ مالهِ، فكانَ هُوَ نظيرَ الخلافِ في دَيْنِ الزَّكَاةِ، والثالثُ في قَدْرِ] قدرتهِ على الإطعامِ (٨) الإطعام، وقد ذكرناه، وعلى هذا الزَّكَاةُ يعني: ومَنْ ماتَ، وعليه زِكاةٌ لم يُؤدِّها، فأوصى بها أدّى عَنهُ وليُه، وعندَ الشَّافِعِي -رحمه الله- لا يحتاجُ إلى الإيصاءِ.


(١) هو فخر الدين المايمرغي. يُنْظَر: طبقات الحنفية (١/ ٢١٣).
(٢) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٥٨).
(٣) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٣٨).
(٤) يُنْظَر: مجمع الأنهر (١/ ٣٦٧)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢٠٧).
(٥) يُنْظَر: أصول الفقه للِسَّرَخْسِي (١/ ٥١).
(٦) يُنْظَر: الْمَجْمُوع (٦/ ٣٦٤).
(٧) يُنْظَر: مجمع الأنهر (١/ ٣٦٨)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣٥).
(٨) سقطت في ب.