للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بابُ صدقةِ الفِطْرِ

لصِدَقةِ الفِطْرِ مُناسبةُ الاتصالِ تَعْقُبُ الزَّكَاةَ، والصومَ. أما في حقِّ الزَّكَاةِ، فإنها مِن الوظائفِ الماليةِ مِعَ انحطاطِ درجتها عنِ الزَّكَاةِ، وأمّا في حَقَّ الصومِ باعتبارِ الترتيبِ الوجُودِيِّ، فاوردها لذلك في "المَبْسُوط" (١) بعد الصوم رِعِايةً لجانبِ الترتيبِ الوجُودي، وأوردها في الْكِتَابِ هاهنا رِعايةً لجانبِ الصدقةِ، وإنما رَجَّحَ هذا الترتيبَ هنا لمِا أنّ المقصودَ مِن الكلامِ المضافِ لا المضافِ إليه، خُصوصًا ما إذا كانَ المضافُ (٢) مضافًا إلى شرطِهِ، وهذا كذلك، ثُمَّ الصدقةُ هي العُطِيةُ التي يُرادُ بها التوبةُ مِن اللهِ تَعالى، سمُيِتْ بها؛ لأَنّ بها يظهرُ صِدْقُ رغبةِ الرجلِ في تلكَ المثوبةِ، كالصداقِ يظهُر بهِ صِدْقُ رغبةِ الرجلِ في المرأةِ (٣)، ومِنَ الإضافةِ: إضافةُ الحُكْمِ إلى شَرْطٍ، كما في حِجَةِ الإسلامِ، وهي مجَازٌ (٤) (٥) لما أنّ الحقيقةَ (٦) هي إضافةُ الحُكْمِ إلى سببٍ كما في حجِّ البيتِ، وصلاةِ الظُّهرِ. فيحتاجُ هاهنا إلى بيانِ أحدَ عشَر شيئاً: سُببها، ومتُنها، وشرطُها، ورُكُنها، وحُكْمُها، ومَنْ يجبُ عليهِ، وقَدْرُ الواجبِ، وما يتأدَّى به الواجبُ، ووقتُ الوجوبِ ووقتُ الاستحبابِ، ومكانُ الأداءِ. أمّا سبُبها فهو رأسُ يمونه، ويلي عليهِ، وأمّا صفُتها: فإنها واجبةٌ ثبتَ وجوبهُا بالأحاديثِ المشهورةِ على ما يجيءُ، وأمّا شرطُها فأنواعٌ ففي مَنْ يجبُ عليه الحريةُ، والإسلامُ، والغِنى،] وفي الوقتِ طلوعَ الفجرِ مِنْ يومِ الفِطْرِ (٧). في الواجبِ أنْ لا ينقصُ مِن نصفِ صاعٍ من البرِّ وغيره وأمّا ركٌنُها: فإذا قُدِّرَ الواجبُ لمِنْ يستحقُه، وأمّا حُكْمُها: فهو الخروجُ عن عُهْدَةِ الواجبِ في الدُّنيا، ووصولُ الثوابِ في الآخرة، وأمّا مَنْ يجبُ عليه: فهو كُلُّ حُرٍّ مُسلمٍ غني، وأمّا قَدْرُ الواجبِ: فهو نِصْفُ صاعٍ من بِرٍّ، وغيره على ما يجيء، وأمّا ما يتأدَّى به الواجبُ فهو مِن أربعةِ أشياء: مِنَ الحنْطَة، والشعيرِ، والّتمرِ، والزبيبِ في المشاهير من الأحاديث، وأمّا وقتُ الوجوبِ: فهو طُلوعُ الفجرِ منِ يومِ الفِطْرِ، وأمّا وقتُ الاستحبابِ فهو قَبْلَ الخروجِ إلى المُصلّى، وأمّا مَكانُ الأداءِ: فهو مكانُ مَنُ يجَبُ عليه في ظاهرِ الرِوايةِ بخلافِ الزَّكَاةِ فإنّ الاعتبارَ فيها لمكانِ المالِ، وقدَ مَّر في بابِ مَنْ يجوزُ دَفْعُ الصدقةِ إليهِ (٨).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٨١).
(٢) في (ب): (المضاف اليه مضافاً .... ).
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٧٠)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٥٧).
(٤) المجاز: هو اللّفظ المستعمل في غير ما وُضِع له في اصطلاح التخاطب، على وجْهٍ يصِحُّ مع قرينة عدم إرادة مَا وُضِع له. يُنْظَر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: ٥٦٤)
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٨٣)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٣١٣).
(٦) الحقيقة: هي اللّفظ المستعمل فيما وُضِع له في اصطلاح التخاطب. يُنْظَر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: ٥٦٤).
(٧) في (ب): (العيد).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٨١).