للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: إنما وجبت الشفعة للمشتري هناك؛ لأن المشتري بشرائها "صار أحق بها تصرفاً، لا لأن ملكها بمنْزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنب داره، ويجب له الشفعة لهذا المعنى فلهذا لو أعتقه المشتري نفد عتقه؛ لأنه صار أحق بالتصرف فيه، وإقدامه على الإعتاق إسقاط منه للخيار" وكذا في المبسوط (١).

وإن هلك في يده (٢)

أي في يد المشتري، وكذا إذا دخله عيب

[[متى يضمن المشتري المبيع]]

أي: يلزم العقد العقد ويجب الثمن، وهذا إذا كان عيباً لا يرتفع كما إذا قطعت يده، وأما إذا كان عيباً يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على خياره إذا زال المرض في الأيام الثلاثة فإن له أن يفسخ بعدما ارتفع العيب في الأيام الثلاثة، وأما إذا مضت الثلاثة والعيب قائم لزم العقد؛ لتعذر الرد، كذا في الإيضاح (٣).

وذكر في شرح الطحاوي (٤): "يلزم البيع على المشتري إذا كان الخيار له والمبيع في يده إذا صار إلى حال لا يملك المشتري فسخه على تلك الحالة، مثل إن هلك أو ينتقص المعقود عليه في يد المشتري نقصاناً يسيراً، أو فاحشاً بفعل المشتري، أو بفعل البائع، أو بآفة سماوية، أو بفعل الأجنبي، أو بفعل المعقود عليه بطل خياره، ونفذ العقد؛ لأن الرد فسخ، والفسخ إنما يرد على ما كان عليه العقد والقبض، وقد عجز عن رده كما قبض فبطل خياره، ونفذ العقد، وهذا كله عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعند أبي يوسف - رحمه الله- كذلك إلا في خصلة واحدة، وهي أن النقصان إذا حصل في يد المشتري بفعل البائع، فلا يبطل خيار المشتري، إن شاء رد عليه، وإن شاء أجازه وأخذ من البائع الأرش (٥).

"ولو ازداد المبيع في يد المشتري زيادة متصلة (٦) متولدة من الأصل كالحسن والجمال والبرؤ من المرض وذهاب البياض من العين، بطل خياره ونفذ البيع في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- وقال محمد - رحمه الله-: لا يمنع الرد وهو على خياره، وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة منه كالصبغ والخياطة، أو كسويق لته (٧) بسمن، أو كانت أرضاً فبنى فيها فإنها مانعة للرد بالإجماع (٨)، ولو حدثت زيادة منفصلة إن كانت متولدة من الأصل كالولد والأرش والعقر (٩) واللبن والتمر والصوف فإنها مانعة للرد يبطل الخيار وينفذ البيع، وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة منه كالكسب (١٠) والعلة (١١) والهبة والصدقة فإنها غير مانعة للرد، وهو على خياره، إلا أنه إذا اختار البيع فالزوائد له مع الأصل، وإذا اختار الفسخ يرد الأصل مع الزوائد في قول أبي حنيفة -رحمه الله-.


(١) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٦٦).
(٢) قال في الهداية: "وإن هلك في يده هلك بالثمن" الهداية (٣/ ٩٥١).
(٣) بدائع الصنائع (٥/ ٢٦٩)، العناية شرح الهداية (٦/ ٣٠٨).
(٤) الجوهرة النيرة (١/ ١٩٢).
(٥) الأرش: دية الجراحات. وأرشت بين القوم تأريشاً: أفسدت. وتأريش الحرب والنار: تأريثهما.
الصحاح (٣/ ٩٩٥)، طلبة الطلبة (ص: ١٦٦).
(٦) "من" زيادة في (أ).
(٧) لت الشيء يلته لتا، إذا شدَّه وأوثقه، ولت السويق -بالسين- إذا خلط، يلته لتاً: إذا بسه بالماء أو غيره. جمهرة اللغة (١/ ٨٠)، الصحاح (١/ ٢٦٤)، المغرب (ص: ٤٢١)، شرح غريب ألفاظ المدونة (ص: ٨٣).
(٨) المغني لابن قدامة (٤/ ١١٠).
(٩) العقر: الجرح والعاقر: المرأة التي لا تحمل، وهي بينة العقر، ورجل عاقر: لا يولد له. والعقر -بالضم- مقدار أجرة الوطء لو كان الزنا غير موجب للحد، كالوطء بشبهة وهي عُشر مهر مثلها. وقال في شرح الغريبين سمي العقر عقراً؛ لأنه يجب على الواطئ بعقره إياها بإزالة بكارتها، أي: بجرحه من حد ضرب، هذا هو الأصل، ثم صار للثيب وغيرها، والأرش سمي أرشاً اشتقاقاً من التأريش بين القوم وهو الإفساد.
مجمل اللغة (ص: ٦٢١)، مقاييس اللغة (٤/ ٩٠) التعريفات (ص: ١٤٩)، طلبة الطلبة (ص: ٤٥).
(١٠) قال الليث: الكسب: طلب الرزق، تقول: فلان يكسب أهله خيراً، ورجل كسوب. وفلان طيِّبُ الكَسْب، وطيب المكسبة مثال المغفرة.
تهذيب اللغة (١٠/ ٤٨)، الصحاح (١/ ٢١٢)، التعريفات (ص: ١٨٢).
(١١) العلة: المرض، وصاحبها معتل. قال ابن الأعرابي: علَّ المريض يعل علة فهو عليل. ورجل عللة، أي كثير العلل. والعِلَّة: هي ما يتوف عليه وجود الشيء ويكون خارجاً مؤثِّراً فيه، أو هي عبارة عما يضاف إليه وجوب الحكم ابتداء. مقاييس اللغة (٤/ ١٤)، التعريفات (ص: ١٥١).