للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أبو يوسف (١) - رحمه الله- فيقول: تَعَذُّرُ قَبْض الخمر المُسْتَحَقِّ في الذمة بسبب الإسلام فلا تجب القيمة، وتحقيقه: أنه لمَّا وجب الخمر بالسبب دينًا في الذمة، لم يمكن إيجاب القيمة باعتبار أصل السبب، ولم يمكن أيضًا إيجاب القيمة عوضًا عما كان في الذمة؛ لأن شرطها تمليك ما في الذمة بها أي: تمليك الخمر الواجب في الذمة لمن عليه/ بمقابلة قيمة الخمر التي يأخذها منه، والذميُّ لا يَقْدِر على تمليك الخمر من المسلم بعوض كما أنّ المسلم لا يتملك الخمر بعوض؛ فلانعدام الشرط يتعذّر استيفاء القيمة، كما لو هشم قُلْب فضة إنسان، ثم تَلِف المكسور في يد صاحب الْقُلْب ليس له أن يُضَّمِن الكاسر شيئًا؛ لأن شرط تضمين القيمة تمليك المكسور منه، وذلك فائت، وبه فارق الإسلام المقارن؛ لأن وجوب القيمة هناك باعتبار أصل السبب، وهو الغصب والاستهلاك، فإنّه موجب للضمان باعتبار الجناية من غير أن يكون موجبًا للملك في المحل عند التعذّر، كما في غصب المدبَّر).

[[حرمة الربا في عقيدة أهل الكتاب]]

(لأنه مستثنى عن عقودهم) أي: بعدم الجواز، (وهو قوله -عليه السلام-: «إلا من أربى فليس بيننا، وبينه عهد» (٢)؛ وهذا لأن ذلك فسق منهم في الاعتقاد لا ديانة، وقد ثبت بالنص حُرمة الربا في اعتقادهم، قال الله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (٣) كذا في «المبسوط» (٤).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ١٠٤)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٣٥).
(٢) قال ابن حجر في الدراية (٢/ ٦٤): حديث: (إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد) لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن أبي شيبة كتاب المغازي، ما ذكروا في أهل نجران وما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم-، (٧/ ٤٢٦) برقم (٣٧٠١٥) عن مرسل الشعبي" كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران، وهم نصارى أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له"، وأخرج أبو عبيد في الأموال (١/ ٢٤٤) برقم (٥٠٣) كتاب افتتاح الأرضين صلحًا وأحكامها، وسننها، وهي من الفيء ولا تكون غنيمة، باب كتب العهود التي كتبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لأهل الصلح من مرسل أبي المليح الهذلى نحوه مطولًا ولفظه: "ولا يأكلوا الربا فمن أكل منهم الربا فذمتي منهم بريئة". قال الزيلعي: (هو مرسل). نصب الراية (٣/ ٢٠٣).
(٣) سورة النساء من آية (١٦١).
(٤) للسرخسي (١١/ ١٠٣).