للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مسألة الجماع دون الفرج]]

ومَنْ جامَع فيما دونَ الفرجِ، وأنزلَ فعليهِ القضاءُ أراد بالفرجِ (١) القُبُلَ والدُّبرَ فكانَ مأذونَ الفرجِ هو التفخيذِ (٢) والتبطينِ (٣)، وليسَ في إفسادِ الصَّوْم في غير رمضانَ كفارةُ؛ لأنَّ وجوبَ الكفارةِ بالنصِّ، والنصوصُ وردتْ بالفْطرِ في رمضانَ، والفطْرُ في غيرِ رمضانَ ليسَ في معنى الفِطْرِ في رمضانَ مِنْ كُلِّ وجهٍ؛ لأنَّ هذا اليوَم ما كان متعينًا لقضائِهِ، وهذا بخلافِ الحجِّ فإنَّ الجِماعَ في قضاءِ الحجِّ يُوجبُ ما يوجبهُ في الأداءِ لتحققِ المساواةِ في معنى الجَنِابةِ، ألا ترى أنَّ في الحجِّ النفلَ يتعلقُ بالجَمِاعِ ما يتعلقُ في الحجِّ الفرضِ بخلافِ الصَّوْم، كذا في «المَبْسُوط» (٤).

[[مسألة الحقنة والسعوط]]

ومن/ احتقنَ أو استعطَ كلاهما بالفتحِ على بناءِ الفاعلِ مِنْ حَقْنِ المريضِ داواهُ بالحُقنة (٥)، وهي دواءٌ يجُعلُ في خريطةِ منْ أَدمٍ يُقالُ لهُ: الحُقنةُ، واحتُقِن بالضم غيرُ جائزٍ، وإنما الصوابُ حُقِن أو عُوِلجَ بالحقُنةِ والسُّعوطُ: الدواءُ الذي يُصَّبُ في الأنفِ، واستعطته إياه، واستعطَ هو بنفسهِ، ولا تقلْ: استعطَ مبنيًا للمفعول، كذا في «المُغْرِب» (٦)، أو أقطر على بناءِ المفعول كذا وجدتْ بخط شَيْخِي -رحمه الله- (٧).

قال شَيْخُ الإسْلَامِ (٨): فهاهنا سبعُ مسائلَ: الوجور (٩)، والسُّعوطُ (١٠)، والإقطارُ في الأُذُنِ في الإحليلِ، والحقنةُ، والجايفةُ (١١)، والأمةُ (١٢) أما الوجورُ، والسعوطُ، والإقطارُ في الأذنِ فمفسدٌ للصومِ (١٣) لوجودِ الأكلِ معنىً لأنهُ وصلَ المغِّذي إلى الجوِفِ، وهو ذاكرٌ لصومهِ، وقولُنا: وصلَ المغذي؛ لأنَّ الدواءَ مُصِلحٌ للبدنِ كالطعامِ. وقولنا إلى الجوفِ، أيْ: إلى جوفِ الرأس، والتعذي كما يحصلُ] بوصولِ المغذي إلى جوفِ البطنِ (١٤) يحصلُ بوصولِ المغذي إلى جوفِ الرأسِ؛ لأنّ الدماغَ يحتاجُ إلى التدويةِ كالبدنِ، ولِأَنَّ بينَ الجوفين مَنفذًا أصليًّا، فما وصلَ إلى جوف الرأسِ يصلُ إلى جوفِ البطنِ، ولهذا تثبتُ] حرمةُ (١٥) الرِّضاعِ بالسُّعوطِ، والإقطارِ في الأُذُنَ، وكذا الجوابُ في الحقنةِ إِلاَّ أنهُ لا تثبتُ بها حرمةُ الرضاعِ؛ لأنَّ حرمةَ الرضاعِ إنما تثبتُ بما يقصدُ به التغذي قالَ -عليه الصلاة والسلام-:» الرضاعةُ مِنَ المجاعةِ «(١٦)، والحقنةُ مما لا يقصدُ به التغذي، ثُمَّ لا بأسَ بالاحتقانِ حالةَ الضرورةِ، وهو قولُ إبراهيمَ النخعي (١٧)، وقال مجاهدٌ (١٨)، والشعبي (١٩) (٢٠): يُكُره (٢١)، وفي مبسوط شمسِ الأئمةِ (٢٢)، وفَخْرُ الْإِسْلَام:] وكذا (٢٣) الحقنةُ لمِا قلنا: بخلافِ الصبيِّ إذا احتقنَ بلبنِ امرأةٍ حيث لا تثبتُ بهِ حرمُة الرضاعِ إِلاَّ في روايةٍ شاذةٍ عن مُحَمَّد (٢٤)؛ لأنّ ثبوتَ حرمةِ الرَّضاعِ تُفِطُر بما يحصلُ به إثباتُ اللحمِ، وإنشازُ العظمِ، وذلك إنما يكونُ بما يصلُ إلى المعدَة مِنْ أعالي البدنِ لا مِنْ أسافلهِ، فإنَّ الِفَطْرَ يحصُلُ بِوُصولِ المِفْطِرِ إلى باطنهِ لانعدامِ الإمساكِ بهِ، ولا كفارةَ لانعدامِ الصورةِ؛ لأنّ اقتضاءَ الشَّهوةِ لا يتمُّ بهِ إِلاَّ في روايةِ هشامٍ عن أبي يوسفَ أنَّ عليهِ الكفارةَ (٢٥) إذا لم يكنْ بهُ عْذرٌ، كذا في «المَبْسُوط» (٢٦)، ولو أَقْطَرَ في أُذُنِهِ الماءَ أو دخلهُ لا يفسدُ صومُهُ.


(١) قال في الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٩٩): وفي المُغْرِب: الفرج: قبل الرجل والمرأة، باتفاق أهل اللغة.
(٢) التَّفْخِيُذ: المفاخذة، مأخوذ من الفخذ. مختار الصِّحَاح (١/ ٥١٧).
(٣) البطن: خلاف الظهر، وهو مذكر، ويقال: تبطّنْتُ الجارية، قال امرؤ القيس في ديوانه (١/ ١٠):
كأني لم أركب جوادا للذة … ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
يُنْظَر: الصِّحَاح (٥/ ٢٠٨٠).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٣٧).
(٥) الحقنة: مايحقن به المريض من الأدوية، والإحتقان: جعل الدوا ونحوه في الدبر، وقد أحتقن الرجل، والأسم الحُقنة بالضم، وقولهم: أحتقن الصبي بلبن أمه بلبن أمه بعيد، وأحتُقِن بالضم غير جائز، وإنما الصواب حُقِن أو عولج بالحًقنَة. الصِّحَاح (٥/ ٢١٠٣) تحرير الفاظ التنبيه (١/ ١٢٥) المُغْرِب (١/ ٢١٧).
(٦) / ٣٩٧.
(٧) هو صاحب الهِدَايَة -رحمه الله-. يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١٢٥).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٢/ ٢١٢).
(٩) الوجور: بفتح الواو على وزن الرسول، الدواء يوجر في وسط الفم، أي يصب، تقول منه: وجرت الصبى، وأوجرته. يُنْظَر: الصِّحَاح (٢/ ٨٤٤)، المصباح المنير (٢/ ٦٤٨).
(١٠) السعوط: الدواء يصب في الأنف، وقد أسعطت الرجل، فاستعط هو بنفسه، والمُسعُط: الإناء يجعل فيه السعوط. يُنْظَر: الصِّحَاح (٣/ ١١٣١)، المُغْرِب (١/ ٣٩٧).
(١١) الجائفة: وهي الطعنة الواصلة إلى الجوف. الفائق في غريب الحديث (١/ ٢٤٦).
(١٢) الآمّة: الشجة التي تبلغ أم الدماغ وهي المأمومة أيضاً، معجم مقاييس اللغة (١/ ٢٣).
(١٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٠)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٤٠).
(١٤) سقطت في (ب).
(١٥) سقطت في (ب).
(١٦) رَوَاهُ أبو داود في سننه (٢٠٦٠)، كتاب النكاح، باب في رضاعة الكبير، وابن ماجه في سننه (١٩٤٥)، كتاب النكاح، باب لا رضاع بعد فصال، والنسائي في سننه (٣٣١٢)، كتاب النكاح، باب القدر الذي يحرم من الرضاعة، من حديث عائشة -رضي الله عنها-. قال الألباني: صحيح.
(١٧) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٧/ ٣٧٠)، باب من رخص في الحقنة، بسنده عن إبراهيم النخعي.
(١٨) هو: مجاهد بن جبر مولى عبد الله بن السائب القارئ، كنيته أبو الحجاج، من أهل مكة، وقد قيل: كنيته أبو محمد، يروي عن جماعة من أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، مات بمكة وهو ساجد سنة ثنتين أو ثلاث ومائة، وكان مولده سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-،
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (٥/ ٤١٩)، و (التاريخ الكبير: ٥/ ٤١١)، و (الجرح والتعديل: ٨/ ٣١٩).
(١٩) هو: هو عامر بن شراحيل الشعبي، أصله من حمير، منسوب إلى الشعب شعب همدان، ولد ونشأ بالكوفة، من كبار التابعين، اشتهر بحفظه، مولده سنة عشرين وقد قيل سنة إحدى وعشرين ومات سنة تسع ومائة، وقد قيل: سنة خمس ومائة، روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان: ٥/ ١٨٥)، و (التاريخ الكبير: ٦/ ٤٥٠)، و (الجرح والتعديل: ٦/ ٣٢٢).
(٢٠) أخرجه عنهما ابن أبي شيبة في مصنفه (٧/ ٣٧٠)، باب في الحقنة من كرهها، بسنده عن الشعبي ومجاهد.
(٢١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢١)، والْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٠).
(٢٢) يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢١).
(٢٣) في (ب) (كذلك).
(٢٤) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٣/ ١٨٠).
(٢٥) يُنْظَر: المرجع السابق (٢/ ٦٤٠).
(٢٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢١).