للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما دعوى انحطاط درجة الشرط عن درجة الركن فمسلم.

ولكن دليل السّقوط إنّما يعمل في محلّه ولا يعمل في غير محلّه فجاز أن يكون الشّرط وإن كان أدون من الركن ممّا لا يحتمل السقوط كالطّهارة والنية في باب الصّلاة حيث لا تسقطان بحال والقراءة تسقط بالاقتداء والقيام يسقط بالعذر وهما ركنان (١). والله أعلم.

[باب نكاح أهل الشرك]

لما ذكر باب الرّقيق للمناسبة التي ذكرنا ذكر من هو أدون منزلة وأخس رتبة منهم وهم أهل الشرك الذين لا كتاب لهم قوله: -رحمه الله- لأنّه لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ (٢) أي والمرافعة فإن أحدهما [كان] (٣) عنده للتعرّض في الوجه الأوّل أي التزوج بغير شهود.

وفي الوجه الثّاني أي التزوج في عدة الكافر.

وقال زفر -رحمه الله- لا يتعرض لهم في ذلك إلا أن يسلموا أو يرافعوا فحينئذ يفرق القاضي بينهم لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (٤)، ولأنّهم بعقد الذمّة صاروا من أهل دارنا والتزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت في حقّهم ما يثبت في حقّنا.

ألا ترى أن حرمة الربا بالله في حقّهم بهذا الطّريق فكذا حرمة النكاح بغير شهود ولكنا نعرض عنهم لمكان عقد الذمة لا لأنا نقرهم على ذلك كما نتركهم وعبادة النّار والأوثان على سبيل الإعراض لا على سبيل التقرير والحكم بصحة ما يفعلون بل ليصير الخطاب قاصراً عنهم في أحكام الدنيا استدراجاً بهم ومكراً عليهم وتركًا لهم على جهلهم وتمهيدا لعقاب الآخرة والخلود في النّار وتحقيقاً لقول النبي -عليه السلام-: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» (٥)، ولا نعرض عنهم في عقد الربا؛ لأنّ ذلك مستثنى من عقد الذمّة قال -عليه السلام-: «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» (٦)، وحجّتنا في ذلك أنّ الإشهاد على النكاح من حقّ الشّرع، وهم لا يخاطبون بحقوق الشّرع بما هو أهم من هذا إلى آخره كذا في (الْمَبْسُوطِ) (٧) و أصول الفقه لفخر الإسلام (٨) -رحمه الله-.


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (١/ ٢١٧).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥١٥).
(٣) وفي (ب): (كاف).
(٤) سورة المائدة من الآية: ٤٩.
(٥) رواه مسلم في كتاب الفتن واشراط الساعة باب الزهد والرقائق (٤/ ٢٢٧٢) برقم (٢٩٥٦).
(٦) رواه ابن أبي شيبة (٧/ ٤٢٦) بلفظ: «أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له». قال صاحب نصب الراية: غَرِيب، وقال ابن حجر: لم أَجِدهُ بِهَذَا اللَّفْظ.
يُنْظَر: نصب الراية (٣/ ٢٠٣)، الدراية (٢/ ٦٤).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٣٨).
(٨) سبق ترجمته (ص ٩٩).