للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلتُ: لم ينشأ هذا من تفضيل العمرة على الحجّ، بل ينشأ ذلك من معنى فقهي فيه، وهو أن طواف الزيارة إنما (١) يؤتى به بعد الحلق على ما هو المسنون في الترتيب، فلما حلق أو قصّر فقد تحلل إلا أن حكم التحلل، قد تأخر إلى طواف الزيارة في حق النساء لما ذكرنا، وهو أن يكون ركن الحجّ مؤدى في الإحرام، ولما كان كذلك قام أكثر أشواط الطواف في حكم التحلل مقام جميع الطواف، فكما أنه لو أتم الطواف تحلل في حق النساء، فكذلك إذا أتى بأكثر أشواط الطواف تحلل في حقهن، والدليل على أن عدم وجوب الدم هنا باعتبار سبق عمل التحلل بالحلق هو أنه لو لم يكن حلق قبل طواف الزيارة، ثُمَّ جامع بعدما طاف أربعة أشواط للزيارة يجب عليه الدم كما في طواف العمرة لارتكاب محظور الإحرام، فإن التحلل بالطواف لم يحصل إذا لم يحلق، وكذلك في العمرة أن الحلق مؤخر عن طوافها، فلم يقع التحلل بالطواف، فكان الحلق واقعاً في محض الإحرام سواء كان قبل أكثر أشواط الطواف أو بعده إلى هذا أشار في «المبسوط» (٢) في باب الجماع من المناسك.

[الجماع ناسيا]

(ومن جامع ناسيًا). أي: ناسيًا لإحرامه

(كان كمن جامع متعمدًا) (٣).

أي: في حق فساد الإحرام وعدم الفساد لا في حق الإثُمَّ، فإنه لا يأثُمَّ فيه بعذر النسيان.

(وقال الشافعي (٤) -رحمه الله-: جماع الناسي غير مفسد للحج).

"جماع الناسي غير مفسد على قياس الصوم" ولكنّا نقول: هذا الحكم تعلق بعين الجماع، وبسبب النسيان لا ينعدم عين الجماع، وهذا لأنه قد اقترن ما يذكره، وهو هيئة المحرمين فلا يعذر بالنسيان كما في الصلاة أداء إذا أكل أو شرب بخلاف الصوم، فإنه لم يقترن بحاله ما يذكره، فجعل النسيان فيه عذرًا في المنع في إفساد الصوم بخلاف القياس، وإذا كانت نائمة أو مكرهة يفسد حجتها عندنا، ولا يفسد عند الشافعي (٥) بناء على أصله أن الإكراه متى أباح الإقدام أعدم أصل الفعل من المُكَره في الأحكام، والنوم بعدم أصل الفعل من النائم، ولهذا قال: لا يفسد الصوم بهذا الفعل في حالة الإكراه أو النوم فكذلك الإحرام، وعندنا تأثير الإكراه والنوم فكذلك الإحرام، وعندنا تأثير الإكراه/ والنوم في رفع المأثُمَّ (٦) لا في إعدام أصل الفعل ألا ترى أنه يلزمه الاغتسال، وتثبت به حرمة المصاهرة، فكذلك يتعلق به فساد النسك، ويستوي إن كان الزوج محرمًا، أو حلالًا، أو صغيرًا عاقلًا، أو مجنونًا، أو تكون المرأة مجنونة أو صغيرة؛ لأن فساد النُسك يتعلق بعين الجماع، وذلك لا ينعدم بالجنون (٧)، والصغر إذا كان يجامع مثله، وإنما قلنا: إنه يتعلق بعين الجماع؛ لأن المنهي عنه في الإحرام الرفث، والرفث اسم الجماع كذا في «المبسوط» (٨).


(١) في (ب): لهما.
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٥٦).
(٣) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥١).
(٤) انظر: المجموع (٧/ ٢٣٩)، مغني المحتاج (٢/ ٢٩٩).
(٥) انظر: المجموع (٧/ ٢٣٩)، مغني المحتاج (٢/ ٢٩٩).
(٦) في (ب): الأثُمَّ.
(٧) الجنون: إختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجه. أنظر: جامع الأسرار (٤/ ١٢٥٧)، وعوارض الأهلية ص (١٦٠).
(٨) انظر: المبسوط (٤/ ١٢١).