للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنا نقول: مراد الصحابة أنهما يفترقان على سبيل الندب إن خافا على أنفسهما الفتنة لا أن يكون ذلك واجبًا عليهما كما يندب الشاب إلى الامتناع عن التقبيل في حالة الصوم إذا كان لا يأمن على نفسه ما سوى ذلك كذا في «المبسوط» (١).

(لم يفسد حجه، وعليه بدنة خلافًا للشافعي (٢) -رحمه الله-).

فإن على قول الشافعي إذا جامع قبل الرمي يفسد حجه؛ لأن إحرامه قبل الرمي مطلقًا ألا ترى أنه لا يحل له شيء مما هو حرام على المحرم، والجماع في الإحرام المطلق مفسد/ للحج كما قبل الوقوف بعرفة بخلاف ما بعد الرمي، وقد جاء أوان التحلل، وحل له الحلق الذي كان حرامًا على المحرم، والحجّة لنا في ذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إذا جامع قبل الوقوف يفسد نسكه، وعليه دم، وإذا جامع بعد الوقوف فحجته تامة، وعليه بدنة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» (٣) فمن وقف بعرفة فقد تم حجه، وبالاتفاق لم يرد التمام من حيث أداء الأفعال فقد بقي عليه بعض الأركان، وإنما أراد به التمام من حيث إن يأمن الفساد [بعده] (٤) لما أن حجه تأكد بالوقوف ألا ترى أنه يأمن الفوت بعد الوقوف، فكما يثبت حكم التأكد في الأمن من الفوات، فكذلك في الأمن من الفساد، فأما قبل الوقوف فحجه غير متأكد ألا ترى أنه يفوته بمضي وقت الوقوف فكذلك يفسد بالجماع، وهذا لأن الجماع محظور كسائر المحظورات، وارتكاب محظورات الحجّ غير مفسد له، فكان ينبغي أن لا يكون الجماع مفسدًا لكن تركنا هذا الأصل فيما إذا حصل الجماع قبل تأكد الإحرام بدليل الإجماع، وما بعد التأكد ليس في معنى ما قبله، فيبقى على أصل القياس يوضحه أن عنده لو جامع قبل الرمي يفسد الحجّ، وإذا جامع بعده لا يفسد، والجماع قبل الرمي لا يكون أكثر تأثيرًا من ترك الرمي، وترك الرمي غير مفسد للحج، فكيف يكون الجماع قبله مفسدًا، كذا في «المبسوط» (٥).

وإن جامع ثانيًا فعلى كل واحد شاة؛ لأنه وقع في حرمة إحرام مهتوكة فيكفيه شاة بخلاف الأول كذا ذكره الإمام التمرتاشي، وما أشبهه كالتطيب.

(وإذا جامع).

أي: في العمرة.

(بعدما طاف أربعة أشواط أو أكثر فعليه شاة) (٦).

فإن قلتَ: كيف فضل طواف العمرة على طواف الزيارة حيث لم يجب شيء في طواف الزيارة إذا جامع بعدما طاف لها أربعة أشواط، ويجب الدم في طواف العمرة إذا جامع بعدما طاف لها أربعة أشواط مع أن العمرة سنة، والحجّ فريضة، وطواف الزيارة ركن الحجّ.


(١) انظر: المبسوط (٤/ ١١٩).
(٢) انظر: المجموع (٧/ ٣٤١).
(٣) سبق تخريجه (٩٦).
(٤) أثبته من (ب).
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ٥٨).
(٦) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥١).