للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[[وقف المسجد]]

(فإذا صلى فيه واحد زال عند أبي حنيفة عن ملكه (١) فرَّق أبو حنيفة بين الوقف والمسجد، فإنَّ الوقف إذا لم يكُن موصىً به، ولامضافًا إلى ما بعد الموت، ولم يجعله القاضي لازمًا كان له أنْ يرجع/ فيه، وأمّا في المسجد فليس له أنْ يرجع فيه ولا يبيعه ولا يورث منه.

والفرق أنّ في الوقف اجتمع لفظان: أحدهماالوقف، والآخرالصّدقة؛ لأنّ الوقف يُنْبئ عَن الحبس؛ كأنّه قال: حَبَست العين على ملكي، وتصدّقتُ بالغَلَّة على المساكين، ولو صرَّح بذلك لا يصح ما لم يوصِ بذلكلأنّ التصدُّق بالغَلَّة المعدومة لا يصح، فإذا أوصى به أو أضافه إلى ما بعد الموت يكون لازمًا بعد موته.

وأمَّا قوله: جعلتُ أرضي مسجدًا فليس فيه ما يوجب البقاء على ملكه، فإذا أزاله إلى الله تعالى لا يكون له أنْ يرجع كما لو زال بالإعتاق (٢)؛ كذا في الجامع الصغير لقاضي خان.

(وعن محمّد أنّه يشترط الصلاة بالجماعة) وكذا عن أبي حنيفة (٣)؛ ويشترط مع ذلك أنْ تكون الصّلاة بأذان وإقامة جهرًا لا سرًّا حتّى لو صّلى جماعة بغير أذان ولا إقامة سرًّا لا جهرًا، لا يصير مسجدًا عند أبي حنيفة ومحمد، فإنْ جعل للمسجد مؤذنًا وإمامًا وهو رجل واحد، فأذّن وأقام وصلّى وحده صار مسجدًا بالاتفاقلأنّ أداء صلاته على هذا الوصف كالجماعة. ألا ترى أنّ أصحابنا قالوا: مؤذّن مسجد إذا أذَّن وأقام وصلَّى وحده ليس لمن يجيء بعد ذلك (٤) أنْ يصلي بالجماعة في ذلك المسجد، وبقبض (٥) المتولِّي هل يصير مسجدًا مِن غير أنْ يصلَّى فيه، فقد اختلف المشايخ فيه (٦)؛ كذا في الذخيرة.

(ويشترط تسليم نوعه) أي: يُشترط تسليم كلِّ شيء على ما يليق هو به، وما يليق لتسليم المسجد هو الصّلاة فيه.

(أولأنَّه لمّا تعذّر القبض) باعتبار أنّه إسقاط لملكه بالاتّفاق تعذّر القبض كما في سائر الإسقاطات من الطّلاق والعتاقولأنّ القبض إنّما يتحقّق بالغَلَّة (٧) لا في الأوقاف الّتي هي لازمة كالإعتاق.


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٣٤).
(٢) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٢٣٣).
(٣) وعن أبي حنيفة فيه روايتان؛ في رواية الحسن عنه يشترط إقامة الصلاة فيه بالجماعة، وفي رواية غيره عنه قال: إذا صلى فيه واحد يصير مسجدًا، وإن لم يصل بالجماعة. المبسوط للسرخسي (١٢/ ٣٤).
(٤) في (ب) "بعده" بدل قوله "بعد ذلك".
(٥) في (أ) "وبعض".
(٦) ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٢٠٥ - ٢٠٦).
(٧) في (ب) "في الغلة".