للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا شكَّ لأحد في حُسن [دفع] (١) ضرر التأذي بسبب سوء المجاورة على الدوام من حيث إيقاد النار، وإعلاء الجدار، وإثارة الغبار، ومنع ضوء النهار، وكم من شريك في العقار، أو مجاور في الدار ممن يُتبرك بوجوده ويُسمن بوقوده، وكم مِن مُخالفٍ في دينه وديانته، ومُسَاوٍ خائن في حفظه وصيانته بحيث لا يصاير بطلعته المشئومة بساعة (٢)؛ فكيف بالدَّوام، ولا يُقاوم فكأنه في طرفي بلد؛ فأنى بالجوار والانتظام!

وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} (٣)، أي: لألزِمَنَّه صُحبة الأضداد، وعن بعضهم: أَضيقُ السُّجون مُعَاشرةُ الأضداد (٤).

[تعريف الشفعة]

فلمَّا كان كذلك كان دفع العدوان شرعية الشفعة من المحاسن التي ليس وراءها شيءٌ من الحُسن؛ إذ سَعيُ الإنسان في أمور الدنيا والآخرة ليس إلا لدفع العذاب، والوصول إلى جزيل الثواب؛ فيحتاج هاهنا إلى بيان الشفعة لغة وشرعًا، وسببها، وشرطها، وركنها، وصفتها، وحُكمها، ومراتبها.

أمَّا اللُّغةُ: فهي مأخوذة من الشَّفع الذي هو ضِدُّ الوتر، وهو الضَّمُّ لما فيه من ضَمِّ شيءٍ إلى شيء، ومنه شفاعةُ رسول الله -عليه السلام- (٥) للمُذنبين؛ لأنه يَضُمُّهم بها إلى الفائزين.

وفي الحديث: أنَّه -عليه السلام-[بعث] (٦) مُصدقًا؛ فأتاه بشاة شافع، فلم يأخذها، فقال: «ائْتِني بِمُعْتَاطٍ» (٧).

فالشَّافع: هي التي معها ولدها؛ لأنها شفعتة (٨)، يقال: شفع الرجل شفعًا، إذا كان فردًا فصار له ثانيًا.

والمعتاط: العائط، وهي التي لم تَحمل (٩).

واستشفعتُه إلى فلانٍ، أي: سألتُه أن يَشفع فيَّ، وكذلك الشفيع فيما نحن فيه: بضم المأخوذ إلى مُلكه (١٠)؛ فَسُمِّي لذلك شفعة.


(١) سقطت من: (ع).
(٢) في (ع): «يُغاير بطانته المشئومة بساعته».
(٣) سورة النمل، من الآية: ٢١.
(٤) ينظر: الكشاف: ٣/ ٣٥٩.
(٥) في (ع): «صلى الله عليه وسلم»، وهو الأصوب.
(٦) سقطت من النسخة الأصل: (أ).
(٧) أخرجه أبو داود في سننه: ٢/ ١٠٣، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، رقم الحديث: ١٥٨١، والنسائي في السنن الكبرى: ٣/ ٢٢، كتاب الزكاة، باب إعطاء سيد المال بغير اختيار المصدق، رقم الحديث: ٢٢٥٤، وقال الألباني: ضعيف. ينظر: إرواء الغليل: ٣/ ٢٧٢.
(٨) في (ع): «شفعته».
(٩) ينظر: العين: ٢/ ٢١١، الصحاح: ٣/ ١١٤٥.
(١٠) في (ع): «ملكها».