للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما شرعًا: فهي عبارةٌ عمَّا يَتملك (١) المرءُ على المشتري حين اشترى العقارَ من شريك الشفيع أو جَارِه.

وأما سببُها: فعامَّة المشايخ يقولون: سببُ وجوب الشفعة: اتِّصال ملك الشفيع بملك البيع؛ لأنَّ الشفعة إنما تجب لدفع ضرر الدخيل عن الأصل، وهو ضَرر سوء المعاملة والمعاشرة، وإنَّما يتحقق هذا الضرر عند اتصال ملك الشفيع بملك البيع (٢).

ولهذا قلنا (٣): كما ثَبت حقُّ الشفعة للشريك في رقبة المبيع ثبتت لشريك في حق من حقوقه نحو الطَّريق والشُّرب، ويثبت للشَّريك في حَدٍّ من حدوده، وهو الجوار، فإنَّ اتصال ملك الجار من شركةٍ في الحدِّ إنما كان كذلك (٤)؛ لأن ضرر المشتري بسبب اتصال الملك موجود في هذه [الوجوه] (٥).

وكان الخَصَّاف -رحمه الله (٦) - يقول: «الشفعة تجبُ بالبَيع، ثم تجبُ بالطَّلب» (٧).

فهو إشارةٌ منه إلى أنَّ كليهما سببٌ على التعاقب، وأنَّه غير صحيح؛ لأنَّ الشفعة إذا وجبت بالبيع، لا يُتصور وجوبُها ثانيًا بالطلب.

وذكر شيخ الإسلام- رحمه الله (٨) - أنَّ الشَّركةَ مع البيع عِلَّةٌ لوجوب الشفعة؛ لأنَّ حَقَّ الشفعة قط لا يَثبت إلا بهما، ولا يجوز أن يقال بأنَّ الشِّرى شرط الشركة عِلَّة وسبب، فإنَّ الشفيع لو سَلَّم الشفعة قبل البيع لا يَصح، ولو سَلَّم بعد البيع/ يصحُّ، ولو كان سبب وجوب الشفعة الشركة وحدها لَصَحَّ (٩) التسليمُ قبل البيع؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الوجوب.

أَلا ترى أنَّ الإبراء عن سائر الحقوق بعد وجود سبب الوجوب جائز، فعُلم بهذا أنَّ الشركة وحدها ليست بعلة.

والحاصل: أنَّ استحقاق الشفعة بالشركة عند البيع، أو بالشركة والبيع، وتأكدها بالطلب، وثبوت [الملك في] (١٠) البقعة بالقضاء أو الرِّضاء (١١).


(١) في (ع): «يتملكه».
(٢) ينظر: العناية: ٩/ ٣٧٩، البناية: ١١/ ٢٩٦.
(٣) ينظر: العناية: ٩/ ٣٧٩، فتح القدير: ٩/ ٣٧٩.
(٤) في (ع): «لذلك»، وهو الصواب.
(٥) زيادة من: (ع)، وهو الصواب.
(٦) أبو بكر الخصاف، هو أحمد بن عمرو، وقيل: عمر بن مهير، وقيل: مهران، أبو بكر الخصاف، الشيباني، صنف كتاب «الحيل»، وكتاب «أدب القاضي»، مات ببغداد سنة ٢٦١ هـ. ينظر: تاج التراجم: ص ٩٧ وما بعدها.
(٧) ينظر: البناية: ١١/ ٢٧٤.
(٨) هو علي بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بن إسحاق الإسبيجابي السمرقندي المعروف بشيخ الإسلام، توفي بسمرقند سنة ٥٣٥ هـ. ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٣٧٠، ٣٧١.
(٩) في (ع): «يصلح».
(١٠) ساقط من: (ع).
(١١) في (ع): «بالقضاء والرضا».