للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصله أنّ أصحابنا أجمعوا على أنَّ العادل إذا أَتلف مال الباغي أو الباغي إذا أتلف مال العادل لا يضمَن (١). وقال الشافعي -رحمه الله-: يضمن الباغي (٢)؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام ظهير الدين -رحمهما الله- (٣).

(ولا التزام لاعتقاد الإباحة) أي: الباغي اعتقد إباحة أموال العادل بأنَّ العادل عصى الله ورسوله ولم يعمَل بموجِب الكتاب.

(ولهما فيه) أي: في قتل الباغي (فيعتبر الفاسد فيه) أي: في دفع الحرمان (لم يوجَد الدّافع) أي: التَّأويل الدَّافع للضَّمان.

(وليس بِبيعه بالكوفة من أهل الكوفة) إلى أنْ قال: (بأس) (٤). والحكم في غير الكوفة أيضًاكذلك إلَّا أنَّتقيّد الكوفة باعتبار أنّ البغاة خرجوا فيها أولًا.

(لا بَيع ما لا يقاتل به إلا بصنعة) كالحديد؛ لأنَّه إنَّما يصير سلاحًا بفعل غيره، فلا ينسب إليه.

(وعَلى هذا الخَمر مَع العنب) أي: لا يجوز بيع الخمر، ويجوز بيع العنب، ثُم الفرق لأبي حنيفة بَين مسألتنا هذه، وهي كراهة بيع السلاح مِن أهل الفتنة وَعَدم كَراهة بيع العَصير ممن اتَّخذه خمرًا، أنَّالمعصية هناك لم تقع بعين العَصير، وههنا [تقع] (٥) بعَين السِّلاح. وقيل: الفَرق الصَّحيح بينهما أنَّ الضَّرر هنا يرجِع إلى العامة، وهناك يرجِع إلى الخاصّة (٦)؛ كذا في الفوائد الظهيرية وغيرها (٧).

كتاب اللقيط (٨):

ذَكَرَ اللَّقيط واللُقَطَة بعد ذكر الجهاد لأنَّ الأنْفُس والأموال عَلى عَرضية الفوات في الجهاد، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: ١١١]، فكذلك (٩) في اللَّقيط واللُقَطَة، إلَّا أنَّ ذِكر النَّفس مقدَّم، فلذلك قدَّم اللَّقيط على اللُّقَطَة، كما قدِّم في الآية؛ و (١٠) لأنّ الْتِقاط اللَّقيط واجبٌ عند خوف الضَّياع كوجوب الجهاد، فكان في إِقدام كُلِّ واحدٍ مِن الفِعلين، أعني: الجهاد والالْتقاط، مَنع لجنس بني آدم عن الهلاك؛ إِذ في الكُفر هلاكٌ أيَّ هلاك، والجهاد يمحو (١١) ذلك الهلاك، أوْ لأنَّ كلّ واحدٍ منهما فرض من فروض الكفاية.


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (٩/ ١٨٢).
(٢) مذهب الشافعية: أن المستهلك بين أهل العدل وأهل البغي في غير ثائرة الحرب والتحام القتال من دماء وأموال فهي مضمونة على مستهلكها سواء كان استهلاكها قبل القتال أو بعد، فيضمن أهل البغي ما استهلكوه لأهل العدل من دماء وأموال ويضمن أهل العدل ما استهلكوه على أهل البغي من دماء وأموال. الحاوي الكبير (١٣/ ١٠٥).
(٣) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٩٠)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ١٧)، فتح القدير (٥/ ٤١٦).
(٤) تمام كلامه: (ومن لم يعرفه من أهل الفتنة بأس). الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٤١٤).
(٥) في (أ) "يقع".
(٦) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٣١٠).
(٧) في (ب) "والله أعلم" بعد قوله "وغيرها".
(٨) في (ب) "بسم الله الرحمن الرحيم، باب اللقيط".
(٩) في (ب) "وكذلك".
(١٠) في (ب) "أو".
(١١) في (ب) "لمحو".