للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

لمَّا ذَكر مُقدمات الغصب كما ذكرنا، وذَكر أيضًا كيفية ما يوجب المِلْك للغاصب بالضمان، ذكر في هذا الفصل مسائل متفرقة، تتصل بمسائل الغصب، كما هو دأب المصنفين.

[[الملك يثبت من وقت الغصب]]

(وقال الشافعي (١) - رحمه الله-: لا يملكها (٢)، بل الجارية باقية على مِلْك مولاها فيستردها إذا ظهرت، ويرد ما قبض (٣) من القيمة، (ولنا: أنه مَلَك البدل بكماله) أي: مَلَك مالكُ الجارية بدلَ جاريته، وهو القيمة التي أخذها من الغاصب، فيجب أن يملك الغاصب الجارية دفعًا للضرر عن الغاصب، أو لئلا (يجتمع البدل والمُبْدَل في ملك رجل واحد) هذا ما اقتضاه لفظ الكتاب (٤)،

[[من غصب عينا فغيبها]]

وقال في «المبسوط» (٥): (وبعض المتقدمين من أصحابنا يقول: سبب الملك عندنا يُقرِّر الضمان على الغاصب؛ لكيلا يجتمع البدل والمُبْدل في مِلْك رجل واحد، وهو معنى قولهم: المضمونات تُملك بالضمان، ولكن هذا غلط؛ لأن الملك عندنا يثبت من وقت الغصب؛ ولهذا نَفَذَ بيع الغاصب وسُلِّم الكسب له؛ وبعض المتأخرين يقول: الغصب هو السبب الموجب للملك عند أداء الضمان، وهذا أيضًا وهْم، فإن الملك لا يثبت عند أداء الضمان من وقت الغصب للغاصب حقيقة؛ ولهذا/ لا يُسَلَّم له الولد، ولو كان الغصب هو السبب للملك لكان إذا تمّ له الملك بذلك السبب يملك الزوائد المتصلة والمنفصلة، كالبيع الموقوف (٦) إذا تمّ بالإجازة يملك المشتري المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة، ومع هذا في هذه العبارة بعض الشُّنْعة، فالغصب عدوان محض، والملك حكم مشروع مرغوب فيه، فيكون سببه مشروعًا مرغوبًا فيه، ولا يصلح أن يُجعل العدوان المحض سببًا له، فإنه ترغيب للناس فيه لتحصيل ما هو مرغوب لهم به، ولا يجوز إضافة مثله إلى الشرع، فالأسلم أن يقول: الغصب موجب رد العين وردّ القيمة عند تعذّر ردّ العين بطريق الجُبْران مقصودًا بهذا السبب، ثم يثبت الملك به للغاصب شرطًا للقضاء بالقيمة لا حكمًا ثابتًا بالغصب مقصودًا؛ ولهذا لا يَمْلك الولد؛ لأن الملك كان شرطًا للقضاء بالقيمة، والولد غير مضمون بالقيمة، فهذا بعد الانفصال ليس تبعًا لها، فلا يثبت هذا الحكم فيه بخلاف الزيادة المتصلة، فإنها تَبَع محض، والكسب كذلك بدل المنفعة فيكون تبعًا محضًا (٧)، وثبوت الحكم في التَّبَع بثبوته في الأصل، سواء ثبت في المتبوع مقصودًا بسببه أو شرطًا لغيره).


(١) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٢٥٦)، مختصر المزني (٨/ ٢١٧)، روضة الطالبين (٥/ ٢٦).
(٢) لتوضيح ما يَقصده المؤلف: قال المرغيناني: (فصل: "ومن غصب عينا فغيبها فضمَّنه المالك قيمتها ملكها"، وهذا عندنا). الهداية (٤/ ٣٠٢).
(٣) في (ع): (بقي) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٦٧).
(٤) الهداية (٤/ ٤٩٥).
(٥) للسرخسي (١١/ ٦٧).
(٦) الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ: بَيْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وهو أَن يُوجد الرُّكْن مَعَ وجود شَرط الِانْعِقَاد والأهلية لَكِن لم يُوجد شَرط النَّفاذ وَهُوَ الْملك وَالْولَايَة. انظر: تحفة الفقهاء (٢/ ٣٤)، حاشية ابن عابدين (٥/ ٥٠)، مجلة الأحكام العدلية (ص: ٣٠).
(٧) سقطت في (ع).