للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لأنَّه أدَّعى رجوعاً باطلاً» (١)؛ لأنَّ الرجوع في غير مجلس القضاء باطلٌ، والاستحلاف وسماع البيِّنة إنما يكون بعد صحة الدَّعوى، والدَّعوى باطل؛ فلذلك لم يكن له الاستحلاف وإقامة البيِّنة.

[في الرجوع في الشهادة على القتل]

«وقال الشافعي - رحمه الله -: لا يضمنان؛ لأنَّه لا عبرة بالتسبيب عند وجود المباشرة» (٢).

فإن قلت: فكيف انعكس مذهبه هنا بمذهبه في الشَّهادة بالقتل، ثم بالرجوع.

وكذلك انعكس مذهبنا أيضاً بالمذكور هناك، فإنَّه إذا شهد شاهدان على رجل بالقتل عمداً، فقُتل بشهادتهما، ثم رجع، فعندنا عليهما الديَّةُ في مالهما.

وعند الشافعي - رحمه الله - (٣): عليهما القصاص (٤)، حيث جعل المسبب هناك كالمباشر، ولم نجعله نحن كالمباشر هناك، ثم جعلنا المسبب هنا كالمباشر، ولم يجعل الشافعي [هنا] (٥) كالمباشر.

قلت: اختلاف الحكم لاختلاف الدَّليل بسبب اختلاف المحل.

والأصل أنْ لا يجعل المسبب كالمباشر في صورة من الصور لاختلافهما في وصف التَّعدي؛ لأنَّه لاشك أنَّ التعدي الصَّادر من المباشر فوق التَّعدي الصادر من المسبب؛ لأنَّ المباشرة عمل بدون الواسطة، والتسبيب بالواسطة.

ألا ترى أنَّ المباشرة إذا تجردت عن التعدِّي الزائد صلحت أيضاً؛ لإيجاب الضمان/ بالإجماع، فإنَّه إذا رمى الصَّيد في ملكه فأصاب إنسانًا، أو مالاً فأتلفه يجب الضمان، بخلاف ما إذا حفر بئرًا في ملكه، وما ذاك إلا باعتبار قوة وصف المباشرة، وضعف وصف التَّسبيب، إلا إذا دعت الضرورة إلى إقامة المسبب مقام المباشر، [فحينئذ يقام هو مقام المباشر] (٦).

وقولنا ههنا كذلك؛ لأنَّه: «لما تعذَّر إيجاب الضمان على المباشر هنا؛ وهو القاضي» (٧) والمدَّعى لما ذكر، وظهر أنَّ المسبب وهو الشَّاهد متعدٍ في شهادته، أوجبنا على المسبب جبر النُّقصان ما للمدعى عليه، كما إذا حفر البئر في قارعة الطريق ووقع فيها آدمي يجب الضمان على الحافر؛ لتعذَّر إضافة الضمان إلى المباشر.

وأمَّا في باب الشَّهادة بالقتل؛ فلم يوجب القصاص على المسبب، وهو الشَّاهد الذي رجع عن شهادته، لما أنَّ المساواة مشروطة في القَصاص، حتى إذا لم [يمكن] (٨) المساواة في موضع لا يجب القَصاص، وإن كانت الجناية عمدًا ولا مساواة بين المسبب والمباشر لما ذكرنا، وإنَّما جعلنا الشَّاهد مسببًا لا مباشرًا وهو ظاهر؛ لأنَّ المباشر هو الولي، وهو طائع مختار في هذه [المباشرة] (٩).


(١) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٢) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٣) سقط من: «س».
(٤) ينظر: البيان للعمراني (١١/ ٣٥٦)، المجموع شرح المهذب (١٨/ ٣٩١).
(٥) سقط من: «س».
(٦) مكرر في «ج».
(٧) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٨) في «س»: [يكن].
(٩) في «ج»: [المباشر].