للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[المال الذي تصح به الشركة]]

له، فيجب عليه (١)؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

(وإن ورث أحدهما مالًا) -بالتنوين- أي: المال الذي يصحُّ فيه الشركة كالدراهم والدنانير والفلوس النّافقة، بطَلت المفاوضة، ولدوامِه حكم الابتداء لكونه غير لازم، فإنَّ أحد الشريكين إذا امتنع عن المضيِّ على موجِب العقد لا يجبِره القاضي على ذلك.

فإنْ قلت: التَّعليل بعدم اللُّزوم في إثبات حُكم الابتداء لدوامه منقوض بمسائل الإجارات، فإنَّ الإجارة عقد لازم عند عامَّة العلماء خلافًا لشُريح (٢) حتَّى لا يتفرَّد (٣) كلُّ واحدٍ مِن المتعاقدين بالفسخ. ولو امتنع عن المضي على موجِب العقد يُجبره القاضي على المضيِّ على موجِب العقد، ومع ذلك إنَّ لدوامها حكمَ الابتداء حتَّى أنَّها لا تبقى بموت أحد المتعاقدين.

وذكر في المبسوط: "قال مشايخنا: إنَّ الإجارة عقود متفرِّقة يتجدَّد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة" (٤)، على ما يجيء، إنْ شاء الله تعالى. فعُلِم بهذا أنَّ كون العَقد لازمًا لا يمنع أنْ يكون لدَوام ذلك العَقد حكم الابتداء، فحينئذ كيف يصحُّ التعليل بعدم اللزوم بإثبات (٥) مدَّعاه، وهو أن يكون لدوامه حكم الابتداء؟

قلت: القياس في الإجارة أنْ لا تكون لازمة كما هو مذهب شُريح لكون المعقود عليه معدومًا في الحال، فكانت بمنزلة العارية، إلا أنَّ عقد الإجارة عقد معاوضة، واللزوم أصل في المعاوضات تحقيقًا للنَّظر من الجانبين كما في البيع. وأما انتقاض عقد الإجارة بموت أحد المتعاقدَين، وإنْ كان لازمًا، لِما أنَّ المستحَق بالعقد المنافعُ التي يحدث (٦) على ملك الآجر، وقد فات ذلك بموت الآجر، فيبطل الإجارة لفوات المعقود عليه؛ لأنَّ رقبة الدَّار ينتقل إلى الوارث، وكذا في موت المستأجرلأنَّه لو بقي بعد موته إنَّما يبقى ملك المنفعة لوارثه، والمنفعة المجردة لا تورث؛ ثم البطلان والانتقاض بالموتلأنَّه (٧) لا يدلُّ على أنه لم يكن لازمًا. ألا ترى أنَّ الموصى له بالخدمة إذا مات تبطُل الوصيةلأنَّ المنفعة لا تورَث ولكن حال حياة الموصى له فالوصية (٨) لازمة. فلمّا كان/ الأمر هكذا، كان تمكُّن انفراد أحد الشّريكين بالفَسخ دليلًا على أنَّ لدوام عقد الشركة حكم الابتداء؛ و (٩) لأنَّه لما لم يُفسَخ في الزّمان الثاني مع تمكُّنه مِن الفَسخ صار كأنه عَقَد ثانيًا وثالثًا إلى أن يوجَد الفَسخ منهما أو مِن أحدهما فصحَّ التَّعليل به لكون ذلك هُو الأصل في العقود التي هي غير لازمة كما في الوكالة والعارية والمضاربة.


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ١٩١).
(٢) هو الفقيه، أبو أمية، شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، قاضي الكوفة، ويقال: شريح بن شراحيل أو ابن شرحبيل، ويقال: وهو من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن. يقال: له صحبة، ولم يصح، بل هو ممن أسلم في حياة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وانتقل من اليمن زمن الصديق. توفي سنة (٧٨ هـ). الطبقات الكبرى ط العلمية (٦/ ١٨٢)، سير أعلام النبلاء (٤/ ١٠٠).
(٣) في (ب) "ينفرد".
(٤) المبسوط للسرخسي (١٥/ ٧٥).
(٥) في (ب) "لإثبات".
(٦) في (ب) "تحدث".
(٧) ساقط من (ب).
(٨) في (ب) "الوصية".
(٩) ساقط من (ب).