للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(والمراد بالإرادة: ما هو ضدّ السّهو) (١)، فكأن معنى قوله -عليه السلام-: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيْ» (٢)، {أي} (٣): من قصد التضحية التي هي واجبة، [كقول من قال] (٤): «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل» (٥) (٦).

[[أدلة القائلين بعدم وجوب الأضحية]]

فإن قلت: ما جوابنا عمّا تمسّك به أبو يوسف (٧) والشّافعي (٨)؛ بقوله -عليه السلام-: «كُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَةُ وَلَم تُكْتَبْ عَلَيْكُم» (٩)، قال أيضاً -عليه السلام-: «خُصِّصْتُ بِثَلَاثَةٍ، وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ (١٠): الْأَضْحَى وَصَلَاةُ الضُّحَى وَالْوِتْر» (١١)، وقال: «ضَحُّوا فَإِنَّها سُنَّةُ أَبِيْكُمْ إِبْرَاهِيْمَ -عليه السلام-» (١٢)، وعن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: «أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَنَتَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً» (١٣).


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٦٤).
(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٥٦٥) كتاب (الأضحية) باب (نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة، وهو مريد التضحية، أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً) برقم (١٩٧٧): عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ».
(٣) سقطت من (أ).
(٤) هكذا في النسختين، وكان الأولى أن يقول مثلًا: كقوله -عليه السلام-، ولعلها سهوٌ من الناسخ.
(٥) إشارة إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (٢/ ٥٧٩)، (كتاب الجمعة) برقم (٨٤٤): عن نافع، عن عبد الله، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ».
- وأخرجه البخاري (٢/ ٢) برقم (٨٧٧) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، بلفظ «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ».
(٦) يُنْظَر: تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (٦/ ٣)، العناية شرح الهداية (٩/ ٥٠٩)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٩).
(٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ٨).
(٨) يُنْظَر: الأم للشافعي (٢/ ٢٤٣)، مختصر المزني (٨/ ٣٩١).
(٩) أخرجه أحمد في "مسنده" (٥/ ٨٥) باب (مسند عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب) برقم (٢٩١٦): عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِهَا، وَأُمِرْتُ بِالْأَضْحَى، وَلَمْ تُكْتَبْ»
- وأخرجه أحمد أيضاً برقم (٢٩١٧) بلفظ قريبٍ منه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ، وَأُمِرْتُ بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِهَا».
- في كلا الحديثين الراوي عن عكرمة: جابر الجعفي، قال الشوكاني في نيل الأوطار: في إسناده: جابر الجعفي، ضعيف جدًا.
- وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي، أحد علماء الشيعة … ، إلى أن قال: وقال النسائي وغيره: متروك. يُنْظَر: نيل الأوطار للشوكاني (٥/ ١٣١ - ١٣٢)، ميزان الاعتدال (١/ ٣٧٩).
(١٠) - السُنَّةُ لُغَةً: السِّيْرَةُ والطَّرِيقَةَ حَمِيْدَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَمِيْدَة. يُنْظَر: الصحاح للجوهري (٥/ ٢١٣٩)، القاموس المحيط (١/ ١٢٠٧).
- السُنَّةُ اصطِلَاحًا: تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اسْمٌ لِلْطَّرِيْقَةِ الْمَرْضِيَّةِ الَّتِيْ سَلَكَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَمٌ فِي الدِّيْنِ كالصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم-، مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضِ وَلَا وُجُوْبٍ. يُنْظَر: التعريفات للجرجاني (ص ١٢٢)، الكليات للكفوي (ص ٤٩٧).
(١١) أخرجه أحمد في مسنده (٣/ ٤٨٥) باب (مسند عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب) برقم (٢٠٥٠): عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: «ثَلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوَتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَصَلاةُ الضُّحَى».
- وأخرجه الدارقطني في السنن (٢/ ٣٣٧) برقم (١٦١٣)، والحاكم في المستدرك (١/ ٤٤١) برقم (١١١٩)، والبيهقي في الصغرى (٢/ ٢٢٢) برقم (١٨١٠)، والبيهقي في الكبرى (٢/ ٦٥٨) برقم (٤١٤٥).
- ووقع عند الدارقطني والحاكم: «وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» بدل «وَصَلَاةِ الضُّحَى».
- وفي إسناده: أبو جناب الكلبي- يحي بن أبي حية- ضعَّفه ابن سعد ويحي بن سعيد القطان وابن حاتم وغيرهم، وقال عنه البيهقي: ضعيفٌ، وكان يزيد بن هارون يصدِّقُه ويرميه بالتدليس.
يُنْظَر: تهذيب الكمال (٣١/ ٢٨٤).
(١٢) أخرجه ابن ماجه في سننه (٢/ ١٠٤٥) باب (ثواب الأضحية) برقم (٣١٢٧): عن زيد بن أرقم، قال: قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ، حَسَنَةٌ» قَالُوا: " فَالصُّوفُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ، حَسَنَةٌ».
- وأخرجه أحمد في المسند (٢٣/ ٣٤) برقم (١٩٢٨٣)، البيهقي في الكبرى (٩/ ٤٣٩) برقم (١٩٠١٧).
- قال البيهقي: أخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأ أبو أحمد بن عدي، قال: سمعت ابن حماد، يقول: قال البخاري: عائذ الله المجاشعي عن أبي داود روى عنه سلام بن مسكين، لا يصح حديثه.
- قال الألباني: ضعيف جداً. يُنْظَر: صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (٧/ ١٢٧).
(١٣) أخرجه البيهقي في الصغرى (٢/ ٢٢٢)، (باب الضحايا) برقم (١٨١٣): عن أبي سريحة يعني حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: «أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ، أَوْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يُضَحِّيَانِ. فِي بَعْضِ حَدِيثِهِمْ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَىَ بِهِمَا»، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي فَيَظُنُّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.
- وأخرجه البيهقي في الكبرى (٩/ ٤٤٤) برقم (١٩٠٣٤).
- صححه ابن حجر في الدراية (٢/ ٢١٥)، والألباني في إرواء الغليل (٤/ ٣٥٥).