للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[في بيان فرضية الشهادة]

وقد يجب العمل بما لا يوجِبُ علم اليقين، كالقياس بالأحكام بغالب الرأي في موضع الاجتهاد (١)» (٢).

«والشَّهادةُ فرضٌ يلزم الشهودَ، ولا يَسِعَهم كتمانُها» (٣).

وقوله: «يلزم الشهودَ ولا يَسِعَهُم كتمانُها»؛ تأكيدٌ لقوله فرضٌ، إذ الفرض يكون بمعنى التقدير، وأُريِد به اللزوم ههنا.

وقوله: «إذا طالبهم المدَّعِي» (٤).

بيانُ وقتِ الفرضيَّة (٥) وسببها؛ لأنَّ المدَّعِي لو لم يطالبهم بأداء الشَّهادة لا يلزمهم الشَّهادةُ، وعند المطالبة يلزمهم، فالتِّكرار والدَّوران دليل السَّببية؛ وهو الأصل.

وإن تخلَّفَ فهو يُعارض لما عُرِفَ، فإن قلت لِمَا لا تضيف السببيَّة، إلى قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (٦)، وقوله: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (٧)، فإنَّ هذين النَّصَّين، وإن كان نهياً وكان أمراً بضدهما؛ أي: فاشهدوا، فكان أمر فاشهدوا سبباً للفرضيَّة.

قلتُ: كما لا تضيف السَّببيَّة في وجوب الصَّلاة إلى الأوامر الواردة بإقامة الصَّلاة من قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (٨)، وقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (٩)، بل إلى دُلُوكِ الشَّمس المذكور في قوله: «وكذلك لا يضيف وجوب الصوم» إلى قوله: {فَلْيَصُمْهُ} (١٠)؛ بل إلى شهود الشَّهر المذكور في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (١١).

فكذلك هاهنا السَّبب هو المطالبة.

وأمَّا النُّصوص من قوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (١٢) وغيره لبيان أنَّ ذلك السببَ موجبٌ لأداء الشَّهادة؛ إذ السبب قد يكون سبباً للاستحباب والندب، والإباحة، كالنيَّة في الوضوء، والعفو عن القَصاص، والاصطياد.

فإنَّ الوُضُوءَ سببٌ لاستحباب النيَّة فيه، والقِصَاصُ سببٌ لكون العفو مندوباً إليه، والحِلُّ عن الإحرام سبب لإباحة الاصطياد.

فإن قلتَ هاهنا شُبهَةٌ أخرى؛ وهي أنَّه [تمسُّك] (١٣) لدعوَى فرضيَّة أداء الشَّهادة بقوله: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ} (١٤)، وقوله: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (١٥).


(١) الاجتهاد: هو في اللغة: بذل الجهد في عمل شاقّ، وفي الاصطلاح هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسّ من النّفس العجز عن الإتيان بالمزيد عليه. معجم مصطلح الأصول (١/ ١٠).
(٢) المبسوط (١٦/ ١١٢).
(٣) الهداية (٣/ ١١٦).
(٤) الهداية (٣/ ١١٦).
(٥) ينظر: الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٥).
(٦) سورة البقرة: آية ٢٨٢.
(٧) سورة البقرة: آية ٢٨٣.
(٨) سورة البقرة: آية ٤٣.
(٩) سورة الإسراء: آية ٧٨.
(١٠) سورة البقرة: آية ١٨٥.
(١١) سورة البقرة: آية ١٨٥.
(١٢) سورة البقرة: آية ٢٨٣.
(١٣) في «ج»: [إن تمسَّك].
(١٤) سورة البقرة: آية ٢٨٢.
(١٥) سورة البقرة: آية ٢٨٣.