للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا ركنها؛ فاستعمال لفظةِ أشهدُ على وجه الإخبار، عند القاضي، عند استجماع هذه الشرائط.

فقُيِّدَ بقوله: على وجه الإخبار احترازاً عن استعمال لفظة أشهَدُ على وجه القسم، كما مرَّ في الأيمان.

وأمَّا حُكمُها؛ فوجوبُ الحكم على القاضي بما تقتضيه الشَّهادةُ (١).

وفي المبسوط: «ثم القياس يأبى كون الشَّهادة حجةٌ في الأحكام؛ لأنَّه خبرٌ مُحتَمَلٌ للصدق والكذب، والمحتمل لا يكون حجةً مُلزِمَةً.

ولأنَّ خبر الواحد لا يُوجب العلم، والقضاءُ مُلزم فيستدعي سبباً موجباً للعلم، ألا ترى أنَّ الشَّهادةَ التي هي دون القضاء تستدعي سبباً مُوجِباً للعلم، وهو المعاينةُ، فالقضاء أولى؛ ولكن تركنا ذلك بالنُّصوص التي فيها أمرٌ للحكَّام بالعمل بالشَّهادة، من ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (٢)، وقال: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٣).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «البيِّنة على المدَّعي» (٤).

وفيه معنيان: أحدهما: حاجة النَّاس إلى ذلك؛ لأنَّ المنازعات والخصومات تكثر بين النَّاس، ويتعذَّرُ إقامةُ الحجَّة الموجبة للعلم في كل خصومة، والتَّكليف بحسب الوُسعِ.

والثاني: معنى إكرام الشُّهود؛ حيث جعل الشرعُ شهادتهم حجَّةً لإيجاب القضاء، مع احتمال الكذب إذا ظهر رُجحان جانبِ الصِّدق، وإليه أشار النَّبي-- صلى الله عليه وسلم - في قوله: «أكرموا الشهود فإنَّ الله تعالى يحيي الحقوق بهم» (٥).

ولما خصَّ الله تعالى هذه الأمة بالكرامات، ووصفهم بأنَّهم شهداء على النَّاس في القيامة، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (٦).


(١) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٦٥)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٤).
(٢) سورة البقرة: آية ٢٨٢.
(٣) سورة المائدة: آية ١٠٦.
(٤) أخرجه: الترمذي في سننه (٣/ ٦٢٦)، كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، رقم (١٣٤١)، وقال: «في إسناده مقال»، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٥٢)، رقم (٢١٧٣٥) باب البينة على المدعي، قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (١/ ٢٩١): «إسناده صحيح»، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (٨/ ٢٧٩)، رقم (٢٦٦١).
(٥) سبق تخريجه قريباً، ص (٨٢).
(٦) سورة البقرة: آية ١٤٣.