للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما جواب أبي حنيفة: عما أورد مسألة الإطعام (١) عليه في الكفارة وهي أن المكفر إذا أطعم بعض المساكين ومات فأوصى وجب الإكمال بما يفي (٢) بالاتفاق كذا في الأسرار (٣)؛ ولم يبطل هناك ما أطعمه بموته؛ فيجب أن يكون في الحج كذلك.

قلتُ: قال أبو حنيفة: الفرق بينهما هو أن سفر الحج لا يقبل التجزيء في حق الأمر بدليل أن الأول لو بدا له في أن لا يحج بنفسه بعدما مشى بعض الطريق وفوض الأمر إلى غيره برضا الموصي (٤) لم يجز، ولزمه رد نفقة أنفقها؛ وأما الإطعام فإنه يَقْبَل التجزيء حتى أن المأمور بالإطعام إذا أطعم البعض ثم ترك وأمر به غيره فإنه يجزئه كذا في الأسرار (٥).

على ما قررناه أراد به قوله قبيل هذا: ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلًا من بلده يحج راكبًا؛ لأن الواجب لله تعالى الحج من بلده إلى آخره (٦).

والله أعلم بالصواب.

* * *

بابُ الوصيَّة للأقارب وغيرهم

إنما أخر هذا الباب عما تقدمه لأن في هذا الباب ذكر أحكام وصية لقوم مخصوصين؛ وفيما تقدمه ذكر أحكام الوصايا على وجه العموم؛ والخصوص أبدًا يتلو العموم وجودًا فكذا ذكرًا وذلك عند اتحاد المسجد، وإذا اختلف المسجد زال الاختلاط؛ وما يُروى فيه ضعيف وهو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الجار أربعون دارًا هكذا وهكذا وهكذا» (٧)، وهذا خبر لا يعرف، وقد طُعِن في راويه مع ذلك كذا في شرح الأقطع (٨).


(١) في (أ): الأحكام؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٢) في (ب) و (ج): بقي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) ينظر: العناية (١٠/ ٤٧٣).
(٤) في (أ) و (ب): الوصي؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.
(٥) ينظر: العناية (١٠/ ٤٧٣).
(٦) قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ. ينظر: الهداية (٤/ ٥٢٩)، العناية (١٠/ ٤٧٢)، البناية (١٣/ ٤٥٨).
(٧) روى الطبراني عن كعب بن مالك- رضي الله عنه -قال: أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -رجلٌ … فبعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -أبا بكر وعمر وعليًا ن يأتون المسجد، فيقومون على بابه فيصيحون «ألا إن أربعين دارًا جار … ».
وهذا الحديثُ ضعَّفَه الحافظُ ابنُ حجر في "فتح الباري" (١٠/ ٥٤٨)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه "يوسف بن السَّفر" وهو متروك. ا. هـ مجمع الزوائد" ٨/ ١٦٩.
ويوسف هذا قال عنه النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك يكذب، وقال ابن عدي: روى بواطيل، وقال البيهقي: هو في عداد من يضع الحديث، وقال أبو زرعة وغيره: متروك. اهـ من "ميزان الاعتدال" ٦/ ١٤٠. وفيه حديثٌ آخر في المعنى نفسِه وهو "حق الجوار إلى أربعين دارًا هكذا وهكذا يمينا وشمالًا وقدَّام وخلف" قال الهيثمي: رواه أبو يعلى عن شيخه محمد بن جامع وهو ضعيف. اهـ "مجمع الزوائد" ٨/ ١٦٨.
(٨) ينظر: العناية (١٠/ ٤٧٥).