للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[جواز إعتاق المضارب العبد ويكون في ربعه]]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا التعليل مسألة المضاربة، وهي ما ذَكر في باب عِتق المُضارب ودعوته من مضاربة «المبسوط» (١)، فقال: (ولو كان اشترى-أي: المضارب-بالألف- التي هي جميع رأس المال- عبدًا يساوي ألفين فأَعْتَقه المضارب جاز عِتْقه في ربعه) وعلّل فقال: (لأن المال (٢) كله من جنس واحد، وفيه فَضْل على رأس المال فيَملك المضارب حصّته من الربح، وذلك رُبع العبد، فإنَّ نصفه مشغول برأس المال، والنصف الآخر ربح بينهما نصفان) فقد أظهر الربح في الألف الزائد في (٣) قيمة العبد على الألف التي هي رأس المال، مع أنّ العبد غير الألف الذي أعطاه ربُّ المال إلى المضارب.

ومثل هذه المسألة مرّت في مسائل المضاربة أيضًا، قلتُ: نعم، كذلك، إلا أنّ في المضاربة لما انقلب رأس المال عبدًا بتصرف المضارب، وفي العبد زيادة قيمة يُضعِّف رأس المال ظهر الربح لبقاء العبد، وظهور المجانسة بين رأس المال والربح؛ لأن نصف العبد بمقابلة رأس المال، والنصف الآخر بمقابلة الربح، ونصف العبد مجانس لنصفه الآخر في حال بقاء العبد، فيَظهر الربح لوجود المجانسة بين رأس المال والربح حال بقاء العبد، وفي مسألتنا أيضًا ظهر الربح بزيادة القيمة في الجارية على الألف (٤) المغصوبة، ولكنْ أزالها عن ملكه بغير عوض مالي، فلم يعمل ظهور الربح، فلا يجب التصدق بمقابلة الربح.

وقال شمس الأئمة السرخسي (٥) - رحمه الله- في «الجامع الصغير» (٦) في هذه المسألة: لم يتصدق بشيء ههنا؛ لأن الواجب عليه عند تمكُّن الخُبْث في التصرف التصدق بالربح ولم يظهر الربح ههنا يعني: بعد الاستهلاك، وذلك لأنَّا لو قلنا بوجوب التصدق بعد إخراجها عن ملكه من غير/ عوض مالي يكون غُرمًا محضًا، إلى هذا أشار فخر الإسلام- رحمه الله- في «الجامع الصغير» (٧) فقال: (لأن الخُبْث ثابت بالشُّبهة، والشُّبهة تعمل في التصدق لا في التضمين، ولو ثبت التصدق بعد الاستهلاك لم يثبت إلا بواسطة التضمين، ولا سبيل إلى التضمين)؛ لأن الإنسان [لا يَضمن] (٨) بإتلاف مال (٩) نفسه، أما في مسألة المضاربة وُجدت المجانسة على ما قلنا، والعبد باق في ملكه، فظهر الربح فعمل عمله، فلذلك تعرض في التعليل إلى جانب وجود المجانسة في قوله (١٠): (لأن المال كله من جنس واحد، وفيه فضل على رأس المال) فيظهر الربح حتّى إذا كان مال (١١) المضاربة أجناسًا لا يظهر الربح، وإن كانت قيمتها تزيد على رأس المال.


(١) للسرخسي (٢٢/ ١١٠).
(٢) في (أ): (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٢/ ١١٠).
(٣) في (ع): (من).
(٤) في (ع): (الأرض) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٥) هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، فقيه أصولي حنفي، ينسب إلى "سَرْخس" وهي بلدة قديمة من بلاد خراسان، أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني، وبلغ منزلة رفيعة، عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل، كان عالمًا عاملًا ناصحًا للحكام، سجنه الخاقان بسبب نصحه له، من مصنفاته: (شرح السير الكبير) و (المبسوط)، توفى سنة ٤٨٣ هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (١٤/ ١٧١)، الجواهر المضية (٢/ ٢٨)، تاج التراجم (ص: ٢٣٤)، الفوائد البهية (١/ ١٥٨).
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي (٣٠/ ١٩٥).
(٧) للبزدوي (٣/ ٧٧٥).
(٨) سقطت في (أ).
(٩) في (أ): (ملك)
(١٠) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٢/ ١١٠).
(١١) سقطت في (ع).