للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط الحج عند العلماء]

وقال بعض العلماء: إن كان الرجل تاجراً يملك مالًا ودفع منه الزاد والراحلة لذهابه، وإيابه، ونفقة أولاده وعياله من وقت خروجه إلى وقت رجوعه، ويبقى له بعد رجوعه رأس مال التجارة التي كان يتّجر بها كان عليه الحجّ، وإلا فلا، وفي المحترف (١) مقدار ما يُبقي له آلات حرفته بعد رجوعه كان عليه الحجّ وإلا فلا، وإن كان حرَّاثًا يملك مالًا يكفي للزاد والراحلة، ويبقى له آلات الحراثين من البقر ونحو ذلك كان عليه الحجّ وإلا فلا، هذا إذا كان آفاقيًّا، وإن كان مكيًّا، أو ساكنًا بقرب مكة كان عليه الحجّ، وإن كان فقيراً لا يملك الزاد والراحلة

[هل الحج واجب على الفور أم على التراخي]

(ثُمَّ هو واجبٌ على الفورِ (٢) عند أبي يوسف (٣) رحمه الله).

أي: ثُمَّ بَعْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، حَتَّى يَأْثمَّ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَوَاهُ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْمُعَلَّى (٤).

(وعند أبي حنيفة -رحمه الله- ما يدل عليه).

أي: على الفور، وهو: ذَكَرَ ابْنُ شُجَاع عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- قَالَ: سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مَالٌ أَيَحُجُّ بِهِ أَمْ يَتَزَوَّجُ، قَالَ: بَلْ يَحُجُّ بِهِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، كذا ذكره في «المبسوط» (٥) في باب الحجّ، عن الميت وغيره.


(١) المحترف: أي من يملك حرفة أو صاحب حرفة ما.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة حرف، (١/ ٢٦٥).
(٢) المراد من الفور: الإتيان به في أول أوقات الإمكان، من قولهم: فارت القِدْر، أي: غلت، استُعير للسرعة، ثُمَّ أطلق على الحالة التي لا تراخي فيها مجازًا مرسلاً، والفورية في الحجّ تعني: أنه لا يباح له التأخير عن أول أوقات الإمكان، ويتعين أشهر الحجّ من العام الأول للأداء.
انظر: النهر الفائق (٢/ ٥٣)، شرح الجامع الصغير لقاضي خان (٢/ ٤٩٩)، جامع الرموز (١/ ٣٨٦).
(٣) الإمام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، من أئمة الفقه المجتهدين، وحفّاظ الحديث، وكان إليه تولية القضاء في المشرق والمغرب، أملى المسائل ونشرها، وبث عِلْم أبي حنيفة في أقطار الأرض حتى قيل: لولا أبو يوسف ما ذُكر أبو حنيفة، وجلالته ووثاقته مشهورة مبسوطة، من مصنفاته: الخراج، والأمالي، والنوادر (ت ١٨٢ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٣/ ٦١١)، تاج التراجم (ص/ ٣١٥)، الفوائد البهية (ص/ ٣٧٢).
(٤) بشر بن المعلى، روى عن أبى يوسف هكذا ذكر صاحب الجواهر. انظر: الجواهر المضية (١/ ١٦٦).
(٥) المبسوط للإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرَخْسي (ت ٤٨٣ هـ)، ط (١٤١٤ هـ)، … دار المعرفة، بيروت، (٤/ ١٦٣، ١٦٤).