للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما إن أضاف الشراء إلى العبد بأن قال: اشتريت منك عبدَك لعبدك.

أو أضافه إلى نفسه بأن قال: اشتريت عبدك بألف درهم (١).

ففِي الأولى إنْ [أجابه] (٢) المولى يعتق العبد، (والولاء للمولى) (٣)، والألف على العبد دون المأمور (٤)؛ لِأَنَّهُ متى أضاف العقد إلى العبد، فقد جعل نفسه رسولاً، ولا عهدة (٥) على الرسول فِي البيع (٦)، بخلاف الوكيل والمأمور، فإن حقوق [العقد] (٧) [إلى العبد] (٨) فقد يرجع إليهما كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- (٩) (١٠).

[حقيقة لفظ الشِرَاء]

وقوله: (اشْتَرَيْتُه لِنَفْسِهِ)، أي: لنفس العبد، [(وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لِلْمَوْلَى) (١١) أي: لم يقل الوكيل] للمولى (١٢) اشتريت العبد لنفس العبد] (١٣)؛ (لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ) أي: لِأَنَّ قولهُ: اشتريتُ عبدكَ بألفِ درهم موضوعٌ حقيقة للمعاوضة لا للإعتاق، (وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا) أي: بحقيقة المعاوضة (إِذَا لَمْ يُعَيِّن)، أي: لم يقل اشتريت [عبدك] (١٤) لأجل عبدك، (فَيُحَافِظْ عَلَيْهَا) أي: على المعاوضة (بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ) حيث يجعل هو للإعتاق وَجْهَ الْوُرُودِ، فإنّه لما جعل لفظ الشِرَاء للمعاوضة حقيقة فينبغي أن يحمل على حقيقته أينما كان، ولم يحمل لفظ الشِرَاء على (١٥) المعاوضة فيما إِذَا اشترى العبد نفسَهُ من مولاه ببدلٍ (١٦)، بل حُمِلَ على الإعتاقِ بالبدلِ؛ (لِأَنَّ الْمَجَازَ (١٧) فِيهِ مُتَعَيَّنُ) (١٨)، أي: المجاز، وهو كون الشِرَاء مستعاراً للإعتاق فِي شراء العبد نفسهُ متعيّن؛ لِأَنَّ نفسَ العبدِ ليست بمالٍ فِي [نفسه] (١٩) حتى يُمْلَك ثُمَّ يُعتق؛ لِأَنَّهُ آدمي فِي حق نفسه حتّى وجب الحد (٢٠) والقصاص (٢١) عليه بإقراره، والمال [غير] (٢٢) الآدمي خُلِقَ لمصلحة الآدمي فلمَّا لم يَكُن إجراءُ الشِرَاء على حقيقتهِ وهي المعاوضة تعيّن بيع المولى العبد من نفسهِ للإعتاق [لانتفاء] (٢٣) البيع والإعتاق فِي معنى إزالة الملك؛ لِأَنَّ كلاً منهما مزيل للملك ولا يمتنع أخذُ العوض عن معنى الإعتاق؛ لِأَنَّ الإعتاق قد يكون بعوض (وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً) أي: شِرَاء الوكيل العبد من المولى من غير تعيين للمولى بأنه يشتري العبد لنفس العبد (يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ) أي: للمأمور ثمنًا نُصِبَ على التميز، (فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ) (٢٤)، أي: فإنّ الثمن فِي ذمة المشتري وهو المأمور.


(١) الدِّرْهَمُ فارسي معرب وكسر الهاء لغة فيه وربما قالوا دِرْهَامٌ وجمع الدرهم دَرَاهِمُ وجمع الدرهام دَرَاهِيمُ، وهو اسم للمضروب المدوَّر من الفضة كالدينار من الذهب وقوله: المعتَبر من الدنانير وزنُ المثَاقيل وفِي الدَارهم وزونُ سَبعة مثاقيل، والمثقال = ٤. ٢٥ جرامًا، والدِّرهم = سبعة أعشار من المثقال = ٢. ٩٧٥ جرامًا. يُنْظَر: مختار الصحاح؛ للرازي (ص: ٢١٨)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (١/ ٢٨٦).
(٢) فِي (أ) (أجازه).
(٣) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦١).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (١١/ ١٥٤).
(٥) العهدة: هي ضمان الثمن للمشتري إن استحق المبيع أو وجد فيه عيب. يُنْظَر: التعريفات (٢٠٤)، معجم لغة الفقهاء (٣٢٣).
(٦) يُنْظَر: غمز عيون البصائر (٣/ ٢٥).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٩) جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن مُحَمَّد بن جعفر بن هارون بن مُحَمَّد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي الْمَحْبُوبِيّ البخاري الحنفِي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأَبِي حَنِيفَةَ الثاني، (ت ٦٣٠ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٣٣٦)، سير أعلام النبلاء (٢٢/ ٣٤٥)، الوافِي بالوفيات (١٩/ ٢٢٩).
(١٠) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِير (١٨/ ٨١).
(١١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦١).
(١٢) [ساقط] من (ب).
(١٣) [ساقط] من (ج).
(١٤) [ساقط] من (ج).
(١٥) فِي (أ) (ماهو) والمعنى يستقيمُ بدونها.
(١٦) البدل: هو العوض وبينهما فرق، وهو أنَّ العوض أشّد مخالفةً للمعوض منه من البدل. يُنْظَر: الصِّحَاح (٣/ ٢٣٠).
(١٧) المجاز: الكلمة المستعملة فِي غير ما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة. يُنْظَر: مفتاح العلوم (١/ ١٥٩).
(١٨) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٥).
(١٩) فِي (ب) و (ج) (حقه).
(٢٠) الحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين، والحد: المنع، وهذا أمرٌ حدد: أي منيعٌ حرامٌ لايحلُ أِرتكابه. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (٢/ ٢٤). وفي الشرع: عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى. يُنْظَر: الدر المختار (٤/ ٣).
(٢١) القصاص في اللغة: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل. يُنْظَر: التعريفات (ص: ٢٢٥).
وفي الشرع: الْقِصَاص هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ أَيْضًا. يُنْظَر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام (٤/ ٦٤٠).
(٢٢) في (ج) (عند).
(٢٣) فِي (ب) و (ج) (لإبقاء).
(٢٤) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٤٥).