للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط في بيان صلاحية هؤلاء للدخول في البيع فقال (١): "توضيحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الإطلاق، بدليل جواز بيع المدبر من نفسه، فإنه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز، بدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه، وكذلك المكاتب فإن بيعه في نفسه جائز، ولو باعه من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين، وكذلك بيع أم الولد عن نفسها جائز، لو قضى القاضي بجواز بيع أم الولد نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ولم ينفذ عند محمد؛ لأن عند محمد - رحمه الله - إجماع التابعين على فساد بيعها برفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة، وعندهما ليس لإجماع التابعين من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، فكان قضاءً في فصل مجتهد فيه". وقوله:

(لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد)

[[سبب استحقاق العتق]]

وتفسير حق العتق هو استحقاق لا يدخل عليه الإبطال، كذا في الجامع لفخر الإسلام - رحمه الله- (٢).

(«أعتقها ولدها» (٣)

وهذا اللفظ -وإن كان بظاهره يوجب العتق (٤) - لكن حمل على حق العتق لا على حقيقته، لما ذكرنا في باب الاستيلاد من كتاب العتق (٥) "وقالا: عليه قيمتهما، وهو رواية عنه، فالروايتان عن أبي حنيفة - رحمه الله - في حق المدبر، فروى المعلى (٦) عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه يضمن قيمة المدبر بالبيع كما يضمن بالغصب، وأما في حق أم الولد فاتفقت الروايات عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنها لا تضمن بالبيع والغصب، والفرق لأبي حنيفة - رحمه الله - بين ضمان الغصب وبين ضمان البيع في المدبر، في رواية أن ضمان البيع إن كان يشبه ضمان الغصب من حيث إنه يدخل في ضمانه بالقبض، لكن لابد من اعتبار جهة البيع؛ لأن الملك إنما ثبت باعتبار هذه الجهة، وإذا لم يكن محلاً للبيع انهدرت هذه الجهة، فبقي قبضاً بإذن المالك، فلا يجب الضمان" كذا في الفوائد الظهيرية والجامع الصغير لقاضي خان (٧).


(١) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٤ - ٥).
(٢) هذا مخالف للأصل عندهم. انظر: تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق وحاشية الشلبي (٤/ ٤٥)، شرح فتح القدير (٦/ ٣٧٣).
(٣) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب العتق، باب أمهات الأولاد، رقم (٢٥١٧)، (٣/ ٥٦٠)، وكتاب السير، كتاب المكاتب، رقم ٤٢٣٣)، (٤/ ٤٠٠)، وأحمد في مسنده، رقم (٢٧٥٩)، (٤/ ٤٨٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع والأقضية، بيع أم الولد إذا سقطت، رقم (٢١٤٧٨)، (٤/ ٤٠٠). قال في المستدرك: حسين متروك، وقال في التلخيص: في إسناده حسين بن عبد الله، وهو ضعيف جدًّا. المستدرك على الصحيحين للحاكم (٢/ ٢٣). التلخيص الحبير (٤/ ٥٢٠).
(٤) "الحقيقي" في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ) " الإعتاق الحقيقي".
(٥) اللوح [٤١٨/ أ].
(٦) المعلى بن منصور، أبو يحيى الرازي، ذكره صاحب الهداية، وروي عن أبي يوسف ومحمد قال ابن سعد: كان صدوقاً، صاحب رأي وحديث وفقه. مات سنة إحدى عشرة ومائتين، قلت: لم يذكر روايته عن أبي حنيفة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٧٨).
(٧) العناية شرح الهداية (٦/ ٤٠٧).