للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[باب اليمين]

وهذا الترتيب من الترتيب الوجودي لما أنَّ مشروعية اليمين بعد العجز عن إقامة البينة فلما ذكر حكم البينة وما يتعلَّق به ذكر في هذا الباب حكم اليمين معناه حاضرة في المصر احترز به عن البينة الحاضرة في مجلس الحكم فإن البينة لو كانت حاضرة في مجلس الحكم لا يجوز الحكم باليمين بالاتفاق وإن طلب الخصم وقالا: (١) إذا لم يكن الشهود في مجلس الحكم فللمدّعي غرض صحيح في الاستحلاف وهو أن يقصر المسافة والمؤنة عليه بإقرار الْمُدَّعَى عليه أو نكوله عن اليمين فيتوسَّل إلى حقه في الحال فكان له أن يطلب يمينه فأبو حَنِيفَةَ -رحمه الله- يقول: إن المنكر إنَّما يكون متلفاً حق المدّعي بإنكاره إذا لم يكن له شهود حضور ولو استحلف القاضي الخصم مع حضور الشهود لكان في ذلك افتضاح المسلم إذا أقام المدّعي البينة بعد ذلك كذا في المَبْسُوط (٢).

لأن اليمين حقه بالحديث المعروف وهو قوله -عليه السلام-: «لَكَ يَمِينُهُ» (٣) حيث أضاف إليه اليمين بلام الملك أن ثبوت [الحكم] (٤) في اليمين يترتب على العجز عن إقامة البينة لما روينا وهو قوله -عليه السلام- للمدّعي: «أَلَك بَيِّنَةٌ» فقال: لا فقال: «إِذَنْ لَكَ يَمِينُهُ» (٥) حيث شرط للاستحلاف أن لا يكون للمُدَّعِي شهود حضور كذا في المَبْسُوط (٦).

[نُكُول الْمُدَّعَى عليه عَنِ الْيَمِيِن]

(فلا يكون حقه دونه) أي: لا يكون اليمين حقَّ المُدَّعِي (دون العجز عن [إقامة] (٧) البينة) أي: بغير العجز عن إقامة البينة لا يكون له ولاية الاستحلاف (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي) وهذه المسألة تجيء بعيد هذه بقوله: (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه عَنِ الْيَمِيِن قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) إلى آخره (٨).

(وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء) (٩)، فإن قلت: هذا التمسك بهذا الحديث المذكور إنَّما يصح أن لو تعين الخارج لكونه مدَّعياً وصاحب اليد لكونه منكراً وليس كذلك؛ لأنَّ كل واحد منهما يصلح أن يكون مدَّعياً من وجه ومنكراً من وجه؛ لأنَّ كل واحد منهما يقول لصاحبه هذا الشيء لي وليس لك وإذا كان كذلك تقبل بينة الخارج من حيث أنَّه مدَّعٍ ويقبل يمينه من حيث أنَّه منكرٌ والدليل على صحة هذا مسألة المتبائعين إذا اختلفا في ثمن المبيع حيث يسمع يميناهما وبينتاهما جميعًا فعلى هذا التقدير لم يكن في الحديث دليل على أنَّ اليمين لم تشرع على المدَّعِي.


(١) هما أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٦/ ٢٢٤).
(٢) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٣) سبق تخريجه، ص (١٩٧).
(٤) في (ب) (الحق).
(٥) سبق تخريجه، ص (١٩٧).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٦/ ٢٢٣).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) (وألزمه ما ادعى عليه وينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه فإذا كرر للعرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ١٦٤).
(٩) يُنْظَر: التقرير والتحبير (١/ ١٩٠)، تيسير التحرير (١/ ١٥٤)، الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).