للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: التمسك بهذا الحديث على هذا الوجه صحيح وذلك لأنَّ ظاهر قوله -عليه السلام-: «البَيِّنَةُ على المُدَّعِي واليَمِينُ على مَنْ أَنْكَرَ» (١) يقتضي أنَّ لا بينة إلا على المنكر والمنكر غير المدَّعِي؛ لأَنَّ النبي -عليه السلام- قسَّم الخصوم فجعل قسمًا مدَّعياً وقسمًا منكراً، وقسم [الحجة] (٢) نوعين فجعل نوعًا على المدَّعِي ونوعًا على المنكر والقسمة تقتضي التمييز فميزنا على هذا الوجه وهو أن جعلنا الخارج مدَّعياً والْمُدَّعَى عليه منكراً؛ لأَنَّ [أوَّل] (٣) أقوالهما في الخصومة على هذا الطريق؛ ولأَنَّ ما يصدر من أوَّل أقوال المدَّعِي هو دعوى ما في يد الْمُدَّعَى عليه وأوَّل أقوال الْمُدَّعَى عليه في جوابه إنكار ما ادَّعاه فسمى كل واحد منهما بأوَّل ما يصدر منهما جميعًا في الخصومة مقصودًا والمقصود هو المقدَّم وما ذكرته من إنكار المدَّعِي لإنكار الْمُدَّعَى عليه ودعوى الْمُدَّعَى عليه لما في يده وقع ضمنًا لا قصدًا فلا يستحقان للأسماء المميزة في بيان الشرع بالمعاني الضمنية.

وأمَّا حكم المتبائعين من قبول بينتهما ويمينهما فحكم ثبت بالنص بخلاف القياس فلا يقاس عليه غيره إلى هذا أشار في الْأَسْرَار.

(وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فيِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) (٤) قُيَّدَ بالملك المطلق احترازاً عن الملك المقيّد بدعوى النِّتاج وعن الملك المقيّد بما إذا ادَّعيا تلقي الملك من واحد وأحدهما قابض وبما إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ من اثْنَيْنِ/ وَأَرَّخَا وتَارِيخ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فإنَّ في هذه الصور تقبل بينة ذي اليد بالإجماع كذا في المَبْسُوط (٥) والْأَسْرَار (٦).

(وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) (٧) يعني أنّ بينة الخارج وبينة ذي اليد إذا تعارضتا على الملك المطلق فبيّنة الخارج أولى بالقبول عندنا وفي أحد قولي الشافعي -رحمه الله- (٨) تهاترت البينتان ويكون المُدَّعَى لذي اليد تركا في يده وهذا قضاء ترك لا قضاء ملك وفي القول الآخر (٩) ترجح بينة ذي اليد فيقضي به لذي اليد قضاء ملك بالبينة فصار كالنِّتاج بأَنْ يدَّعي كلٌّ من الخارج، وذي اليد أنَّ هذه الدابة نتجت عنده، وأقاما البيِّنة على ذلك، ولأحدهما يد، فإنَّه يُقضي لصاحب اليد (١٠).


(١) سبق تخريجه، ص (١٨١).
(٢) في (ب) (الحجج).
(٣) [ساقط] من (ب).
(٤) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ١٦٤).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ١٠٤).
(٦) يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (٤/ ٧٧).
(٧) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ١٦٤).
(٨) يُنْظَر: الحاوي في فقه الشافعي (١٧/ ٣٠٤)، نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (١٩/ ٩٤).
(٩) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٥٨).
(١٠) مسألة النِّتاج. يُنْظَر: الكفاية (٧/ ١٦٣).