للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: إن الحيات والعقارب وجميع ذوات السموم جميع فسادها وشرها في العالم من قِبَل أرواحها دون أجسادها؛ إذ هي بعد زوال أرواحها عنها تندفع مضرتها، وتنقطع مادة شرها ومضرتها، فعلم بهذا أن هذه الدعوى مطلقًا غير صحيحة.

ثم يقال لهم: إن الجنس الذي جعل غذاء للبشر من جملة الحيوانات هو الغنم، ومن المعلوم أن هذا الجنس لو خلا عن قيام الآدمي بدواع أسباب الهلاك عنه، وإيصال ما فيه منفعته لتلف الكل لتسلط الذباب وأنواع السباع عليها، وليس معه آلة الدفاع والنجاة من القوائم والجناح فتمزقه السباع في أدنى (١) مدة، وكذا من طبع هذا الجنس، وهو الغنم أن راعيها لو بعد عنها في المفاوز لبقيت رافعة رءوسها إلى السماء متخوفة عن كل صوت، نافرة عن كل ذكر لا تتناول علفًا ولا ترد ماء، إلى أن تتلف جوعًا وعطشًا، وإذا كان الأمر كذلك فلو لم يبح للآدمي الانتفاع بها وتناول لحومها لما قام بالدفع عنها، والحفظ لها فيتلف الكل، وينقطع الجنس، فكان في إباحة التناول إبقاء الجنس، وفي الحظر إهلاكه، فلو لم يبح إتلاف البعض لغذاء من يقوم عليها يصير ذلك طريقًا إلى فناء الكل، فحينئذ كان ما قالوه عائدًا على موضوعه بالنقص، ولأن فيه تحقيق منة الله تعالى بأنه خلق ما في العالم لمنفعة الممتحنين، وتيسير ما أعد الله لمصالح المكلفين حيث قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (٢)، وأما ما تشبثوا به من فتح (٣) إيلام الحيوان، فذلك قول مردود؛ فإن العقلاء لما اتفقوا على حسن إيلام حجامة [المريض] (٤)، وحسن تنقي (٥) الأدوية الكريهة لرجاء شفاء البعض (٦) على طريق غلبة الظن مع أن هذا إيلام وجرح في نفس المكلفين المقصودين بخلق العالم والشفاء غير متيقن به، فلأن يحسن إيلام حيوان غير مكلف، وحصول الانتفاع، وبقاء المهج بالتغذي بلحمه متيقن به أولى وأحرى.

[شروط الذبائح]

وباقي ما يتعلق بالذبائح من المحاسن يُذكر في الأضحية إن شاء الله تعالى، وذكر شروط الذبح وكيفيته في الكتاب.

قوله: (الذكاة شرط حل الذبيحة)، أي: الذبح شرط حل أكل ما يؤكل لحمه من الحيوان، وأصل تركيب التذكية يدل على التمام، ومنه ذكاء السن بالمد لنهاية الشباب، وذكاء النار بالصغير (٧) لتمام اشتغالها (٨)، وقد ذكرنا أن قول محمد بن الحنفية (٩) ذكاة الأرض: يبسها (١٠)، أي: إنها إذا يبست (١١) من رطوبة النجاسة طهرت وطابت، كما بالذكاة تطهر الذبيحة وتطيب، كذا في «الصحاح» (١٢) و «المغرب» (١٣).


(١) في (ع): «أوجز».
(٢) سورة البقرة، من الآية: ٢٩.
(٣) في (ع): «منح».
(٤) زيادة من: (ع).
(٥) في (ع): «سقي».
(٦) كلمة غير واضحة في (أ) و (ع)، ولعلها ما أثبتنا.
(٧) في (ع): «بالقصر».
(٨) في (ع): «استعمالها».
(٩) أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب، -رضي الله عنه-، المعروف بابن الحنفية، أمه الحنفية خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة ابن الدول بن حنيفة بن لجيم، ويقال بل كانت من سبي اليمامة، وصارت إلى علي -رضي الله عنه-، وقيل بل كانت سندية سوداء، وكانت أمة لبني حنيفة ولم تكن منهم، توفي سنة ٨١ بالمدينة، ينظر: صفة الصفوة ١/ ٣٤٤ - ٣٤٥، و وفيات الأعيان ٤/ ١٦٩.
(١٠) في (ع): «ينبتها».
(١١) في (ع): «أعنيت».
(١٢) لم أجده في الصحاح.
(١٣) ينظر: المغرب: ص ١٧٥.