للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اعلم أن هذا الشرط الذي هو الذكاة هو شرط حل التناول فيما يحل تناوله من الحيوانات سوى السمك والجراد ثابت بالنص.

ثم اختلفوا فيه أنه معقول المعنى أم لا.

وذكر في «المبسوط» فزعم بعض العراقيين من مشايخنا أن التذكية محظورة بالعقل لما فيها من إيلام الحيوان (١).

وهذا عندي باطل، وقد كان رسول الله -عليه السلام- يتناول من اللحم قبل مبعثه، ولا يظن به أنه يتناول ذبائح المشركين؛ لأنهم كانوا يذبحون باسم الأصنام فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه، وما كان يفعل ما كان محظورًا عقلاً؛ كالظلم والكذب والسفه، فإنه لا يجوز أن يظن به أنه فعل ذلك قط.

ثم في الذبح والاصطياد تحصيل منفعة الغداء لمن هو المقصود من الحيوانات، وهو الآدمي؛ فيكون ذلك مباحًا، وإليه أشار الله تعالى بقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (٢)، والإيلام لهذا المقصود، فلا يكون محظورًا عقلاً؛ كالفصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة في وقتها.

قوله: (فإنها تنبئ عنها)، أي: إن الذكاة تنبئ عن الطهارة.

واللبة (٣): المنحر من الصدر.

(أو دعوى) كالكتابي، أي: يدعي أنه صاحب ملة (٤) التوحيد.

ثم إنما تحل ذبيحة الكتابي فيما إذا لم يذكر وقت الذبح عُزَيْرًا، أو اسم المسيح.

وأما إذا ذكر ذلك فلا يحل، كما لا يحل ذبيحة المسلم إذا ذكر وقت الذبح غير اسم الله تعالى؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (٥) /.

فحال الكتابي في ذلك لا يكون أعلى من حال المسلم، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٦).

وذبيحة المسلم والكتابي حلال لما يكونا، وهو قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (٧)، وهو عام يتناول المسلم والكتابي، والأولى في التمسك في حل ذبيحة الكتابي [ما تمسك به] (٨) في «المبسوط» (٩) بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١٠)، والمراد: الذبائح، إذ لو حمل على ما سواها من الأطعمة لم يكن لتخصيص أهل الكتاب بالذكر معنى.


(١) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٢١.
(٢) سورة البقرة، من الآية: ٢٩.
(٣) ينظر: المغرب: ص ٤٢٠.
(٤) في (ع): «سكة» أو «مسكة».
(٥) سورة البقرة، من الآية: ١٧٣.
(٦) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٤٦.
(٧) سورة المائدة، الآية: ٣.
(٨) لعلها في (ع): «بالمتكى به».
(٩) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٤٦.
(١٠) سورة المائدة، من الآية: ٥.